صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

مصير الاتفاقية النفطية بين بغداد واربيل (2-2)

ما يجدر ذكره هنا.. رغم قناعة الحكومتين بأهمية هذه الاتفاقية، بأنها سوف تكفل تسهيل حل المشاكل المالية الموروثة بينهما منذ بداية عام 2004 ولحد الان، وفي حالة تنفيذ بنودها، سوف توًدي، الى حد ما، للتصحيح أو معالجة جزء من العلاقة الدستورية المرتبكة بينهما.

إلا أن مصير هذه الاتفاقية ونجاح تطبيقها يعتمد على عدد من العوامل خارج إرادة الحكومتين ويمكن إجمالها بما يلي:-

أولا- قد لا يكفي توقيعها من قبل رئيسى الحكومتين الاتحادية والإقليم (كضمانة) لنجاح تطبيقها واستمرارها للسنوات القادمة، وذلك بسبب وجود (مراكز قوى) عراقية متنفذة، وهي مشاركة في الحكومة والبرلمان معاً او خارجهما، وهي تتحكم، بصورة او اخرى، بمسارات العمل الحكومي، حيث لم يسجل ترحيباً علنياً، من قبل عدد منها، بالاتفاقية المذكورة، بل سجل من قبل عدد منها توجيه الانتقادات اليها وبيان عدم الارتياح عن بنودها.

ثانياً- تأسيساً على الفقرة (أولاً) توجد في العراق، منذ تشكيل الحكومات ما بعد عام 2003، سلطتان لتوجيه مسار عمل تلك الحكومات وهما :-

1- سلطة رسمية، متمثلة بالحكومات المنتخبة القائمة، تعمل وفقاً للدستور والقوانين المشتقة منه، ويمارسها فعلياً رئيس المجلس الوزراء ووزرائه.

2- سلطة غير رسمية، وهي بمثابة (سلطة موازية) لسلطة الحكومة المنتخبة، تحاول ان تعمل او تضغط باستمرار على توجيه مسار الحكومات القائمة باتجاه تحقيق مآربها، عن طريق استخدام وسائلها التي تمتلكها في داخل الدولة والبرلمان والحكومة، لتوجيه مجريات امور الدولة لتحقيق مصالحها السياسيةُ والاقتصادية والاًمنية ولتثبيت مكانتها في الساحةُ السياسية العراقية، وتمارس هذه السلطة الموازية من فبل مراكز القوى الحزبية والسياسية والمسلحة المتواجدة في الساحة العراقية، وتمارسها عن طريق الوسائل التي تمتلكها، ومنها على سبيل المثال، من خلال أوزانها البرلمانية، ثقلها الحكومي والساسي والجماهيري، قدرتها الاقتصادية والتسليحية، تجذير أركانها داخل مووًسسات الحكومة المدنية والاقتصادية والعسكرية والقضائية وغيرها المعروفة بالسيطرة غلى الدولة العميقة.

حيث في حالة عدم توافقها مع اي قرار او اجراء يتخذه رئيس الحكومة، تقوم هذه القوى باستهدافه بصورة مبطنة او علنية وتقوم بترحيل جميع المشاكل الجارية نحو ساحة الحكومة، وصولاً الى التهديد بسحب الثقة منها واسقاطها عن طريق استخدام ضغوط الاًغلبية البرلمانية التي تمتلكها.

لذا فان مصير الاتفاقية النفطية الموقتة وتنفيذها يعتمد الى حد كبير الى (الموافقة الضمنية) للسلطة الموازية انفة الذكر، وهي صعبة التحقيق ولا سيما في حالة محاولات تغيير رئيس الحكومة الحالي.

ثالثاً- تأسيساً غلى الفقرة (ثانياً) يلاحظ من خلال وسائل الاعلام المختلفة بانه هناك، في الوقت الحاضر، معارضة ضمنية لبعض من الاجراءات الحكومية التي يقوم بها السيد السوداني، داخل حكومته، من قبل عدد من تلك المراكز القوى، ولاسيما بخصوص الاتفاقية النفطية الموءقتة، من جهةُ، وكذلك وجود بوادر تفكك في (تحالف ادارة الدولة) المشكلة للحكومة الحالية ،من جهة اخرى، وذلك بسبب عدم التزام الجهات المكونةِ للتحالف المذكور بتنفيذ بنود (الوثيقة) الموقعة من قبلها، وهي بمثابة وثيقة التفاهم والاتفاق بينها على أسس تشكيل حكومة السوداني، والتي شكلت بموجبها الحكومة الحالية على أساس التوافق الجماعي لحل المشاكل العالقة من قبل مكونات تحالف ادارة الدولة، حيث يلاحظ المراقب، موًشرات التراجع والتنصل عن تنفيذ الاتفاقية.

رابعاً- تأسيساً على الفقرات اعلاه، رغم محاولات الحكومة الحالية في الاستمرار في اجراءاتها نحو تنفيذ برامجها الخدمية عن طريق مشروع الموازنة العامة الثلاثية 1923 ،و هي تسير بصعوبة بالغة، الا انها تواجه ايظاً بانتقادات وعراقيل شتى، وذلك من حلال الوسائل التي يمتلكها عدد من تلك المراكز القوى سواء داخل الإطار التنسيقي الشيعي او داخل تحالف ادارة الدولة او من فبل المعارضات المتواجدة في الساحة العراقية خارج الحكومة والبرلمان، وقد انتج هذا الوضع السياسي السائد مايلي :-

1- تعكيراً واضطراباً في (المناخ السياسي العراقي) بين تلك المراكز، الامر الذي يصعب على الحكومة تنفيذ برامجها وقراراتها ومشاريعها، مثلاً، من خلال إفشالها في البرلمان، او دستورياً من خلال تسجيل الدعاوى لدى المحكمةًالاتحادية وغيرهما من الوسائل.

2- كما وقد يوًدي هذا المناخ السياسي المضطرب، على ما يبدو، الى صعوبة تمريربنود مشروع الموازنة العامة 1023 كما أعدتها حكومة السيد السوداني، وهناك محاولات لخلق العراقيل للبنود المتعلقة بحصة الإقليم السنوية من تلك الموازنة، هذا علاوةً على الصعوبات التي سوف تواجه امر تصديق قانون النفط والغاز الاتحادي الذي يعتمد عليه نجاح تنفيذ الاتفاقية النفطية.

خامساً- قد تواجه هذه الاتفاقية صعوبات في ايجاد (البات فنية وقانونيه وادارية) ببن الحكومتين حول كيفية التصرف بإيرادات نفط الإقليم المصدر، والتي سوف يتم ايداعها في (الحساب المصرفي الخاص) والمتفق عليه بموجب الاتفاقية، وفي كل الأحوال، فان أقيام نفط الإقليم المصدر سوف لن تكون خارج رقابة البنك الفدرالي الامريكي جنباً الى جنب النفط العراقي المصدر.

سادساً- قد يواجه نجاح هذه الاتفاقية، صعوبة ايجاد آليات جديدة للعمل مع الشركات النفطية الرئيسية التي تقوم بعمليات (استخراج ونقل وبيع) النفط داخل الإقليم، وصعوبة وصول المفاوضات الجارية بين الأطراف الثلاثة المتمثلة ب(الشركاتالنفطية الأجنبية وحكومتي بغداد واربيل) الى ايجاد الية عمل جديدة لتنفيذ الاتفاقية، وذلك بسبب،احتمالية ظهور قيود مالية وفنية وقانونية وادارية تقف حجرة عثرة امام تنفيذ الاتفاقيةً.

سابعاً- صعوبة وصول المفاوضات الجارية بين الجانبين العراقي والتركي الى نتيجة مرضية لكلا الطرفين تجاه الحقوق والالتزامات التي سوف تترتب عليهما بموجب الية العمل الجديدة لتصدير نفط الإقليم، وخاصة بالنسبة للجانب التركي ألدي يلحق به الضرر وتترتب عليه التزامات مالية يجب ان تسددها لصالح العراق، وان هذا الامر قد يدفع بتركيا ان تفرض شروطاً لصالحها في المفاوضات الجارية مع العراق بشاًن اعادة تصدير النفط عبر أراضيها، مثلاً، وجوب تعويض العراق بمبلغ مليار ونصف مليار دولار أمريكي من قبل تركيا جراء الالتزامات المترتبة عليها من عمليات تصدير نفط الإقليم لسنوات سابقة، وفيما يخص مطالبة تركيا بسعر مرتفع لنقل برميل النفط العراقي المصدر عبر ميناء جيهان التركية، وكذلك الامر المتعلق بمصاريف صيانة الأنابيب وادارتها ومساًلة أسعار النفط العراقي المباع لتركيا وغيرها.

ثامناً- يلاحظ وجود أصوات ومنابر إعلامية تابعة للمراكز القوى العاملة في الساحة العراقية التي تمتلك سلطة موازية لسلطة الحكومة الحالية ونفوذ برلماني، يمكن من خلالها ان تعمل باتجاه مضاد لتطبيق الاتفاقية النفطية، وتعمل باتجاه اخضاع الإقليم لتوجهاتها، وذلك من خلال تغيير فحوى بنود الموازنة العامة 2023 لغير صالح الإقليم، ووضع العراقيل امام بنود مشروع قانون النط والغاز وتنفيذ المادة الدستورية المرقمة 140 والمتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، والتأثير في طبيعة العلاقة الادارية والمالية والتسليحية بين قوات البيشمركة والحكومة الاتحادية باتجاه سلبي، والتأثير في حصة الإقليم المقرة من النفقات الاتحادية الفعلية وغيرها. 

تاسعاً- من الصعب ان يشكل توقيع رئيسي حكومتي الاتحادية والإقليم على الاتفاقية النفطية (ضمانة فعلية) لتطبيق بنود هذه الاتفاقية لصالح الطرفين، وذلك بسبب تاثير القرارات الموازية التي تمتلكها المراكز القوى العراقية على القرارات الحكومية بصورة او اخرى، لذلك فان مصير تطبيق هذه الاتفاقية يرتبط ايضاً بما يلي:-

1- كان من المفروض، ولاجل تثبيت الاتفاقية النفطية المذكورة، ان تعقد في إطار (ضمانة دوليةً او اممية) او من خلال بعثة الاًمم المتحدة العاملة. في العراق(يونامي) بموجب قرارالمجلس الاًمني الدولى المرقم (1500) في (14اب 2003)، حيث من مهامها الاساسية تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاًمني وعيرها في العراق ككل.

2- صعوبة التكهن بما سيحصل في الساحة العراقية، في المستقبل القريب والمتوسط، من مفاجئات سياسية وأمنية وشعبية، من فبل الفعاليات المتواجدة في الساحة العراقية والتي ستؤثر على مصير الاتفاقية النفطية.

3- ان مصير هذه الاتفاقية مرتبط فعلياً ببقاء السيد محمد شياع السوداني في منصبه كرئيس للمجلس الوزراء العراقي، سواءا اكمل فترته القانونية ام لم يكملها، علاوةً على وجود حالة ضبابية في الوضع السياسي العراقي الجاري، يصعب من خلاله التكهن بأمر استمراره في منصبه للأمد الطويل.

الاستنتاج.. رغم نظرة المتفائلين حول امكانية حل هذه المشكلة المزمنة بين الحكومتين، من خلال تلك الاتفاقية ،لصالح الشعب والدولة العراقية ككل، الا انه وللأسف وبسبب ما سرد اعلاه من المتناقضات في الساحة السياسية والاقتصادية والأمنية العراقية، وبسبب العوامل الاممية والدولية والإقليمية المضطربة التي توءثر في الوضع العراقي، تجعل من المراقب ان ينظر بحذر حول احتمالية نجاح تطبيق بنود الاتفاقية النفطية الموءقتة بين الحكومتين لصالح مواطني إقليم كوردستان العراق، وقد يكون مصيرها حبلى بمفاجئات غير سارة وغير مرتقبة بالنسبة لإقليم كوردستان العراق.

aras_hussain@yahoo.com

أقرأ أيضا