1
هل المصادفة من قادت ان يكون العراق جزءا من عالم وبيئة وخيال ذلك النص الرائد في فنتازيته وواقعيته معا؛ عالم الف ليلة وليلة؟ أم العكس؟.
هل العراق حكاية أم راوٍ لا مرجعية فنية له؟
ما هذا الذي يحدث فيه ومنْ هم صنّاع وأبطال هذه التفاصيل، ولمن هذا المأتم الدائم، ولماذا كل هذا العذاب الروحي وتواتره صعودا ونزولا حد استحالة وخيالية مايحدث أو عادية العثور على الأكثر غرابة؟.
لِمَ لمْ يشبع وجدانه من كل هذا الحزن وضروب الضيم والنواح من اساطيره واشعاره وسردياته ومقاتِله..؟ لِمَ يختلط الحي بالميت، ويتلطخ القتيل بالقاتل، ويتماهى المعارض بصوت الموالي، والمنتمي للتسلط بالحالم بالمستقبل؟
لماذا رضي المجتمع العراقي بمشاريع خريجي الثكنات، وسكنة الاوكار السرية من الأشقياء والجهلة، وتاليا المشتغلين بحياكة الزرابّي وبسط التخلف، وهلّم سحلا!
هل الخلل في البيئة الاجتماعية أم في الفرد أم في العوامل الخارجية أم في الحظ المائل والعاثر الذي حالفنا وحاصرنا منذ عودة گلگامش الخائبة،كما تقول الرُقم الطينية اليابسة ؟
من الذي رأى؟ وماذا رأى؟ ومن الذي غنى وعلام هذا الغناء؟
ولماذا كل هذا العوييييييييييل؛ اذا كان الغناء في استقبال الحاكم الاسطورة، والأب القائد، والزعيم الاوحد، والذي حفظه الله ، هو اللازمة الأصل؟
لماذا؟
2
لقد عرّف العراقيون انفسهم باعتبارهم منتجي وورثة الجمال والعقائد والمذاهب ومدارس اللغة والنقل والعقل وأهل التصوف ورعاة التنوع في المناهج وملجأ المطاردين من أهل الرأي والشبهات والمهرطقين والملاحدة وقادة انتفاضات أهم الجماعات الخارجة على الحكم والاحكام.
ماذا فعلنا بانفسنا، وهل نحن كذلك؟
هل ابو حيان التوحيدي منا، وهل نص مظفر النواب المكتوب بالمحكية العراقية يمت بصلة لذائقة المكتوب في هذه الايام، هل كتيبة الاعدام التي صوبت باتجاه فيصل غازي كانت تعرف انه مساهم في مدرسة بغداد التشكيلة، وهل رفعة الجادرجي وعزيز علي وطالب البغدادي وقاسم حول وعطا عبد الوهاب ومحمد سلمان حسن..الخ من القائمة الطويلة والعجيبة يستحقون النزول في معتقلات هذه البلاد ويتعرضوا لأشد أنواع التنكيل، وهل من على شاكلة محسن مهدي وفؤاد سفر ومحيي الدين حيدر وجعفر علي وكاظم حيدر وطه باقر ومحمود عبدالوهاب وحميد محمد جواد.. هل يستحقون كل هذا التجاهل؟ هل لاغتيال الباحث الشجاع والموهوب هشام الهاشمي من معنى سوى تأكيد لبشاعة وشهية قتل الناس في شوارع ويوميات شباب تشرين؟
[ انظر عزيزي القارئ كيف سيتعثر ويتدهور مسار القول والحديث بسبب من توحّل يوميات ما يجري في البلاد]؛ بلاد لا تعرف إدامة شبكة مجاري ولارفع المخلفات من الشوارع وتتباهى بافتتاح معارض للكتاب؛ تتقصد بتأخير رواتب الفئات المكسورة وتلتزم باقامة احتفاليات لتلك الذكرى او لهذا التأبين؛ تتثائب من تنوع وتخمة موائد المنطقة الخضراء وتنسى الجموع من خريجي الدراسات العليا والمهنية وهم قادة المستقبل، ليتحولوا لقيادة (التكتك والتكسي) بعد ان جرى تكسير مجاديف أحلامهم واحتجاجاتهم ؛ تفشل بتوفير الكهرباء بالاستدانة من ايران المشمولة بالحصار- كما يقولون- وتحاول زيادة ميزانها التجاري معها باستيراد الطماطم والاحذية ومشتقات الالبان الى ما يزيد عن ١٥ مليار دولار؛ تركض بدروب تحرير الارض والغَزل بالاستقلال، واموال نفطها لا تصل الا بعد عدها وتقليبها وتقبيلها..هناك، من حيث سيُجلب دونالد ترامب مخفورا الى محكمة الرصافة.
بلاد تتعاقد مع شركات خدمة بائسة في البناء والخدمات والاستثمار، لتصل لهذا الحاضر البائخ، وهي مهدَدة بالعطش والتصحر لأن مصادر مياهها رهن بنفوذ ورغبات وأوامر تركيا وايران.
مصر ولبنان وسوريا وهي ليست في احسن احوالها لا تتعاقد الا مع الدول والخبرات المتميزة لهذا تستطيع ان تصدّر وأحيانا تغذي بلدانا اخرى وربما تصل للاكتفاء الذاتي ببعض مما تنتج.
العراق (الحنون) يستورد من سوريا رب البندورة والمكدوس، وسوريا على حافة التقسيم وفي جحيم الحرب الاهلية!
مالذي بقي من ثروات أهل العراق كي تمتد ايدي لصوص واوغاد هذه البلاد لخطفه وتهريبه والتنعم به؟
ما أتفه وأصغر وأضحل أهل التشريع والتنفيذ والقضاء وهم يتفرجون على جسد العراق وهو يذوي ويتآكل ويباع لمن يرغب وبالمجان، ويتحدثون عن إجراء انتخابات برلمانية.
(ذاك) باع نصف شط العرب وحفر برفقة ايران أزيّد من ٤٠٠ ألف قبر لشباب العراق وبدّد ما بدّد من ثرواته وشرّد من شرّد من أهله؛ و(أنتم) اجهزتم على ماتبقى من ريعان العراق لتقيموا احتفالاتكم وولائمكم ومشاريعكم.
أنتم تدونون الجزء الثاني من كتاب البعث يوميا،وبنسخة مزيدة ومنقحة وشعبية.
انتم نواة الخراب.
ذاك وحزبه سلّبوا العراق، وأنتم واحزابكم محوتم معناه واحتمالات اسمه.