يردد أغلب الإعلاميين مفردات أدخلتها اللعبة السياسية الى العراق لاستغفال المواطن البسيط، لكن رقعتها بدأت تتسع، ووتيرتها تزداد، ففقدنا بسببها أمننا الوطني، وتماسك مجتمعنا، واللغة الوطنية للخطاب السياسي، بل فقدنا بسببها انسجام بعض الأسر التي انقادت بعفوية وطيبة لتكون أداوات بأيادي بعض الانتهازيين الذين عرضوا أنفسهم مدافعين عن مذهب ديني هنا، وعن قومية ما هناك.
فأسمع مثلا وصف “السنة”، ويراد منه الأحزاب الإسلامية التي تعرض نفسها ممثلة لـ”السنة”، وتختزل “السنة” بها، ما يعني أن لا وجود لـ”سني” خارج إطار تنظيماتها، فيما الحقيقة الثابتة هي أن عدد المستقلين في المحافظات التي تنشط فيها مثل هذه الأحزاب أضعاف عدد المتحزبين منهم، والحقيقة الثانية أن أغلب مواطني تلك المناطق يتهمون هذه الأحزاب بالفساد، وبتدمير مناطقهم وبأنهم “زوروا الانتخابات السابقة في تلك المناطق”. ومثل ذلك أسمع وصف “الشيعة” اذا ما أريد الإشارة إلى الأحزاب التي تدعي تمثيلها لـ”الشيعة”، فتختزل “الشيعة” بها، ولو سلمنا بهذا الوصف، فكأننا نقول: لا شيعي خارج إطار تنظيمات هذه الأحزاب، والحقيقة الثابتة أيضا أن أغلب سكان المناطق التي تنشط فيها هذه الأحزاب هي معارضة لها بدليل التظاهرات المستمرة فيها منذ سنتين، وبدليل تردي حال مواطني تلك المناطق ونقمتهم من كل ما يمثل تلك الأحزاب. والأمر ينطبق ايضا على وصف الأكراد، شأنهم شأن باقي المواطنين العراقيين، فهم لا يريدون أكثر من العيش الكريم والآمن، وفسحة من الحرية للتعبير عن الذات وممارسة الحرية الشخصية دون تدخل “شيعي” او “سني” متحزب او طائفي في الحد منها، ولا تمثل الأحزاب الكردية رأيا واحدا دائما، كما أن وصف “الأكراد” الذي يستخدم في الإعلام يقصد به “الأحزاب الكردية الفاعلة”، وليس بالتأكيد كل المواطنين الأكراد.
قبل السياسيون العراقيون التقسيم الطائفي- العرقي لمجتمعهم حسب رؤية وإرادة الحاكم المدني بول بريمر، وصب الأخير القالب الذي يجب أن يتشكل على وفقه العرقي- الطائفي، السياسيون دون تقدير ما قد يقود إليه هذا التوجه، وهذا الاستخدام السياسي غير الواعي للدين والطائفة والقومية وإن كانت بدرجة أقل، لكن لحالة مثل العراق فإن الشحن القومي لا يقل خطورة عن الخطاب والشحن الطائفي، فالطائفة –شأنها شأن القومية- عابرة للحدود، واستخدامها في العمل السياسي، الذي يروجه إعلام سياسي موجه، هو استدعاء للآخر- الذي كان خارج الحدود- للتدخل في شأن داخلي، وذريعته الجاهزة هي الطائفة الفلانية التي استخدمها ذلك الحزب، ففتح علينا ابواب التدخل الخارجي، أو القومية الفلانية التي لها امتدادات إقليمية خارج حدودنا الإقليمية.
هل استوعبنا دروس المرحلة السابقة؟ هل سنعيد التجربة هذه المرة من باب التناحر القومي هذه المرة؟ هل سينتخب المواطن العراقي مرة عاشرة نفس الوجوه التي قادتنا وتقودنا للخراب؟
أتمنى أن يعي الإعلاميون حجم ما يساهموا فيه من تشكيل وعي مشوه لشباب لم ير أو يعرف الكثير خارج ما ينقله له التلفزيون ومواقع التواصل الإجتماعي، وأن لا يستخدموا لغة التعميم في التوصيفات السياسية وعدم اختزال مذهب أو دين أو قومية بحزب أو كتلة سياسية لما في ذلك من خطورة على السلم الأهلي.