صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

مقارنة سريعة بين استفتاءين: كردستان العراق وكاتالونيا الاسبانية

– لا يعترف الدستور الاسباني بالشعب الكاتالوني كأمة.

الدستور العراقي يعترف بالشعب الكردي كشريك في الوطن منذ عام ١٩٥٩ ودولة فيدرالية منذ ٢٠٠٥.

– تعتبر مقاطعة كاتالونيا اغنى منطقة في اسبانيا (حوالي ٢٢ بالمئة من الانتاج القومي)، وضريبتها الاعلى في البلد، وتفاقمت النسبة هذه مع الازمة الطاحنة التي تضرب اسبانيا منذ قرابة العشرة سنوات.

– استلم الاقليم، لحين سنوات قليلة مضت، من الحكومة المركزية ١٧ بالمئة اسميا و١٢ بالمئة فعليا من الميزانية العامة. توقفت حصة الاقليم بسبب جدل واشكالية حقوق استخراج وبيع النفط. ويعتبر الاقليم بان الحصة تلك طبيعية نظرا لحجم مشاركة المنطقة ذات الاغلبية الاثنية الكردية (يعتمد الكورد النموذج الاثني لحدود مناطقهم وليس النموذج الجغرافي).

– ليس لمقاطقة كاتولونيا اي تمثيل خارجي ولا لوبيات، ولا علاقات دبلوماسية.

– يتمتع اقيلم كردستان بعلاقات سياسية واقتصادية واحيانا امنية مع العديد من دول العالم (على ان تمر رسميا عبر العاصمة الفيدرالية بغداد).

– ليس لمقاطعة كاتولونيا اية قوة عسكرية.

– لاقليم كردستان جيش ربما اكبر حتى من بعض دول المنطقة (لبنان والاردن)، ورسميا هو جزء من وحدات الدفاع العراقية. في الحقيقة، القوة العسكرية الكردستانية مقسمة بين احزاب سياسية عدّة، ولم تتحول ابدا الى قوة موحدة الا بحدود ٢٥ بالمئة من حجمها الفعلي، وثلاثة ارباع هذه القوى موزعة بين الحزبين الرئيسيين، واحيانا بين المكتبين السياسيين (اي هناك خمسة قوى فعلية ميدانيا الى جانب الامن الوطني لمنطقة بهدينان والامن الوطني لمنطقة سوران). طبعا هناك العشرات من الجماعات والميليشيات المسلحة العراقية التي تنظوي شكليا تحت مسؤولية القوات المسلحة العراقية، وفي الواقع هي قوى مستقلة وموازية للدولة، لها في الغالب مصادرها المالية الخاصة بها والسلاح، والمقرات وتفرض سياسة امنية في المناطق التي تتواجد فيه. يمكن قول ذات الشيء بشأن العشرات من الجماعات المسلحة السنية التي تكونت بسرعة البرق بعد انهيار داعش في الموصل والانبار وقبلها في صلاح الدين.

– من حق مواطني اسبانيا من المقاطعات الاخرى السكن والعمل في كاتالونيا والعكس صحيح.

ليس من حق مواطني العراق من مناطق اخرى العمل والسكن في كردستان الا بعد موافقة وتصريح من حكومة الاقليم واجهزتها الامنية. من الناحية الفعلية منذ ١٩٩١، هناك القليل من الكورد (عدا الموظفين) يعملون خارج اقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، والحضور العربي اكبر في كوردستان من الحضور الكردي في المناطق الاخرى. ونسبة المهجرين العرب (خاصة السنة) في كوردستان اكثر مرات من نسبتهم في بقية مناطق العراق.

– جميع القوانين الاسبانية سارية المفعول في كاتولونيا.

– اغلب القوانين الاتحادية معطلة فعليا في الاقليم.

– لم يسمح لكاتولونيا ابدا تقاسم السيادة مع مدريد، وبقيت تلك من مسؤوليات الدولة المركزية حصرا.

– كانت كردستان مستقلة فعليا منذ اكثر من ربع قرن، وقررت العودة طواعية لنمط من الاتحاد الفيدراليي، ضمن جمهورية العراق. ايضا، لم تتوفق بغداد منذ ٢٠٠٣ اعتماد سياسة اقليمية ودولية تضع ضمن اولوياتها مصالح الجميع. اعتمدت بغداد في الغالب مصالح نخب محددة او تقاربات اقليمية واضحة على حساب مصالح البلد العليا، مما ساهم في عزل العراق واضعافه والحاق الاذى به كدولة ذات سيادة متعدد القوميات والاديان.

– يعتمد النموذج الاسباني على المواطنة والولاء للدولة والامة الاسبانية والدستور اولا دون الاهتمام الفعلي بالمساواة القومية لشعوبها (وهذا ما تعتبره القوميات الاخرى مجحفا ومن بقايا الفرانكوية).

– في العراق تم تصميم الدستور على اساس مكونات، تتقاسم نخبها السلطة السياسية والريع النفطي، خاصة تلك النخب التي تدعي التمثيل السياسي الديني والنخب التي تمثل المجموعة الاثنية الكردية. ضمن هذه المعادلة  (التي جمعت معسكر المنتصرين)، بات مستقبل النخب السنية مهمشا ومقتصرا على قدرات بعض ممثليهم انتزاع شيء من المركز لشرعنة وتثبيت تمثيلهم اولا، وبدرجة اقل اعلاء اصوات قواعدهم المحلية ثانيا. وهذه احدى الاسباب الاساسية التي اوجدت وغذّت الحركات الراديكالية في المناطق الغربية – بما فيها داعش.

– تعيش كاتالونيا في بلد دستوري، عضو في الاتحاد الاوروبي، عماده حقوق الانسان والديمقراطية.

– نما النموذج الكردستاني العراقي في بلد مبدأه الفعلي محاصصة كل شيء تقريبا. وما ان تتعرض هذه المعادلة للمسائلة حتى تتصاعد صيحات المطالبة بالنظر لعلاقة الاقليم بالمركز (حد الانفصال او ايجاد عقد جديد بين دول مستقلة – كونفدرالية) او تصاعد جعجعة السلاح وسط مطالبة انصار المركز بارجاع الاقليم لبيت الطاعة (اتهامهم بالانفصالية)،

 

– ارتكبت حكومة مدريد سلسلة اخطاء كبيرة في تعاطيها مع الملف الكاتالوني، مما زاد في احتقان الفضاء العمومي للبلد وفي اوربا ايضا. ولكن لم يصل الحال بمدريد التنسيق مع دول الجوار لفرض حصار عسكري من الخارج ومنع الطيران الدولي الى برشلونة، ولا حتى اجراء مناورات عسكرية مشتركة مع فرنسا وايطاليا على حدود مقاطعتها المشاكسة، ولا منع عبور الشاحنات من معابر الحدود الدولية، الخ.

– رغم ذلك، تمت في العراق (حتى اللحظة) ادارة سياسية مقبولة من قبل رئيس الوزراء لازمة استفتاء اقليم كردستان، ولكن الاصوات التصعيدية (في كلا المعسكرين) تدفع للمواجهة العسكرية، حتى ولو كان بالتنسيق مع دول اقليمية معروفة بعدائها للتعددية الاثنية والمذهبية والدينية وللديمقراطية. لم يعطنا التاريخ نموذجا تسلطيا واحدا استطاع ادارة التعددية القومية بشكل ناجح، وفي مقدمة هذه البلدان الفاشلة في ادارة التعديدية هي تركيا وايران!

– رغم غموض الدستور الاسباني واعترافه الضبابي بالقوميات المنضوية داخل البلد الواحد، وقفت اوربا برمتها مع الدولة الاسبانية.

– في المقابل، بقيت القضية الكردية في العراق رهن استراتيجيات اقليمية ودولية متناحرة، دون الاخذ بالاعتبار مصالح الشعب الكردي نفسه ولا الشعب العراقي ايضا.

– تعلن اوربا (مجتمعة وفرادا) بانها مع الشرعية الاسبانية والدستور ووحدة البلاد مهما حصل. وبهذا الصدد، صرح الناطق الرسمي للخارجية الفرنسية بالامس: «ما زلنا قلقين من الاوضاع في كالتالونيا، سيما بعد تصرحات شارل بيكديمون (زعيم الحركة الانفصالية). اي حلّ للازمة الداخلية الاسبانية يجب ان يتحقق في اطار الدستور الاسباني. الوحدة والشرعية الدستوريتين يجب ان تُحترم، والمحافضة عليهما ايضا. كل تصريح منفرد للاستقلال من قبل السلطات الكاتالونية ستكون غير شرعية وسوف لا يتم الاعتراف به في كل الاحوال». للتذكير، لم نر فرنسا على هذه الدرجة من الوضوح عندما يتعلق الامر بالعراق والازمة الحالية بين بغداد واربيل.

– في حين يصرح مرشد الثورة الايرانية: «يجب على العراق اتخاذ خطوات ضرورية لحماية اراضيه ووحدته، ويجب عدم الثقة بامريكا والغرب، ويجب، ويجب، الخ). هناك تصريحات املائية مشابهة للرئيس التركي بشأن الازمة الحالية بين اربيل وبغداد. للتذكير فقط، وصف اردوغان قبل اقل من عام رئيس وزراء العراق بانه اصغر من ان يتكلم معه!

الخلاصة:

لماذا لم تظهر فرنسا هذا الوضوح عندما يتعلق الامر بالعراق كما هو الحال بكاتالونيا الاسبانية؟! هل تخشى، هي الاخرى، تحركات اقلياتها في الكورسيكا والباسك؟ انه عصر مساءلة الدول ذات التركيبة الداخلية المتعددة والهشة، عصر المساءلة للسيادة ذات الشرعية المهزوزة

د. هشام داود: باحث في الانثروبولوجيا السياسية بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في باريس.

أقرأ أيضا