أظهر وفد العراق برئاسة برهم صالح، موقفا مغايرا لجميع الوفود المشاركة في القمة العربية بـ”مكة المكرمة”، بعد الاعتراض وحيدا على البيان الختامي، ولذا كان لابد من تسجيل بعض الملاحظات:
1- البيان بحد ذاته، كان يهدف الى منح الشرعية لأية ضربة عسكرية محتملة لايران، ولم يكن على العراق القبول بصيغته الحالية، لأسباب تتعلق بأمنه ومصالحه مع الجارة الشرقية، لكن في نفس الوقت، فان أي وقوف ضده سيُفهم على أنه تعدٍ على القمة ومستضيفتها السعودية، وهذا يفسر صمت جميع الدول العربية المشاركة، والرافضة لأي موقف عدائي ضد ايران.
2- إن تفرد العراق بالتحفظ على البيان دون بلدان أخرى مستقلة في قراراتها عن السعودية، كلبنان وقطر وعمان والأردن، أظهره (إعلاميا) بلدا وحيدا معزولا غريبا على “الصف العربي”، وقريبا من “محور ايران”، الأمر الذي قد يتسبب باعادة الجليد مرة أخرى للعلاقات العراقية السعودية، الذي ذابت قطعه مؤخرا، ولم ينجح في ذات الوقت بتغيير حرف واحد من البيان.
3- ظهور العراق بمواجهة السعودية أسقط فرضية الوساطة بينها وبين ايران من جهة، وبين الأخيرة وأمريكا، من جهة ثانية.
4- اكتفاء العراق برفض البيان دون العمل في الكواليس على كسب مؤيدين لموقفه، وهم كثر في ظل معارضة البعض لسياسات الرياض، أظهر فشله الدبلوماسي الذريع، رغم استبشار البعض بحصول تحول في الدبلوماسية العراقية لمجرد كثرة الزيارات المتبادلة، الأمر الذي طرح سؤالا ملحا حول جدوى تلك الزيارات واللقاءات التي أجراها مسؤولو الصف الأول في بغداد قبيل انعقاد القمة، من بينها زيارة رئيس الجمهورية برهم صالح الى الأردن ولقائه بالملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكذلك زيارة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الى قطر ولقائه بأميرها تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس وزرائها الذي حضر القمة عبد الله بن ناصر آل ثاني، وغيرها، والتي كشفت التسريبات عن تعلق فحواها بتنسيق المواقف مع “الأشقاء” في القمة، وبذلك ظهر العراق بمظهر المعارض المعزول المغلوب على أمره، بفعل خضوعه لـ”النفوذ الإيراني” كما تروج البروباغاندا الخليجية وحتى العربية، وليس بموقف المعارض القوي الذي يسعى للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، خصوصا وأن الأمر جاء بعد ظهور خطاب للرئيس الايراني حسن روحاني، يؤكد نفوذ بلاده في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
ماذا كان على العراق فعله؟
وسط ضرورة رفض البيان الختامي للقمة العربية الطارئة، كان على العراق تقدير الأمر جيدا قبل حضورها ومعرفة أن ثمرة القمة يجب أن يكون إصدار هذا البيان، وأن معارضته ستعني في عرف الدولة الأخرى استعداء، لذا كان عليه سلوك أحد خيارين:
1- كسب آراء دول أخرى لها موقف مشابه لموقف العراق تجاه ايران، من اجل عدم الظهور وحيدا في التحفظ على هذه الصيغة من البيان.
2- خفض التمثيل العراقي الى وزير خارجية فقط دون مشاركة رئيس الجمهورية برهم صالح، وحينها سيكون أبلغ رسالة لرفض مقررات المؤتمر، بدلا من رسالة التحدي التي رافقت حضور صالح ووفده الرافض للبيان، وأظهرته وحيدا في هذا الموقف، وأضعف من دوره الصاعد في المنطقة كثيرا.