صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ملف الاغتيالات في العراق الجمهوري (3-3)

بعد استقالة أحمد حسن البكر في ١٦ تموز سنة ١٩٧٩، تحت التهديد بالقوة ونقل كافة سلطانه الرسمية في الحكومة وحزب البعث إلى نائبه “صدام حسين”، أمتلك الأخير كافة السلطات التي تمكنه من تصفية خصومه، وأولهم محيي عبد الحسين الذي كان يشغل منصب سكرتير رئيس مجلس قيادة الثورة “احمد حسن البكر” الذي اعترض على نقل السلطة، الى صدام حسين بهذه الطريقة. فإتهم بقيادة مؤامرة واجبر بعد التعذيب على ذكر اسماء ٦٨ شخص من القيادات بالحزب والدولة “المشتركين” بالمؤامرة فيما بات يعرف بمجزرة قاعة الخلد بتاريخ ٢٢ تموز ١٩٧٩، شملت كل الذين يمكن أن يشكلوا تهديدا محتملا لصدام حسين في المستقبل، اعدم نصفهم فيما سجن الآخرون مددا طويلة، ما مكنه من تشديد قبضته البوليسية على العراق، فبدأ بشن حملات لإعتقال من يستطيع اعتقاله وتصفية الآخرين بطريقته المعتادة “الإغتيال” ولم يشفع للضحية قوميته او دينه او مذهبه او حتى انتماء إلى حزب البعث الذي اعتقد بعض الحمقى انه كفيل بانقاذ انفسهم من بطشه.

من المعارضين الأكراد الذين تم اغتيالهم هو المهندس (شوكت عقراوي) أحد السياسيين الكرد المتهمين بإنشاء حزب مناويء لنظام البعث – كان متهما بمحاولة تأسيس الحركة الاشتراكية الكردية-اغتيل بسم الثاليوم الذي دس له في كوب عصير قدم له عند استدعائه لدائرة الأمن العامة في بغداد . كما اغتيل صديقه (صالح اليوسفي) عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني ومسؤول الفرع الخامس للحزب في في بغداد في ٢٢ حزيران سنة ١٩٨١م بانفجار طرد بريدي أرسل له، بعد ثواني من فتحه له .

واغتيل (الشيخ ناظم العاصي) احد شيوخ عشيرة العبيد في الحويجة، الإتهامه بالمشاركة في تدبير انقلاب ضد الحكومة، في حزيران سنة ١٩٨٣م دس له السم في سحوره من قبل شخص مصري كان ضيفا عند الشيخ .

وأغتيل (محمد تقي الخوئي) نجل المرجع الشيعي السيد ابو القاسم الخوئي، الامين العام لمؤسسة الامام الخوئي الخيرية في لندن، في طريق عودته من كربلاء الى النجف، بشاحنة كانت تنتظره على جانب الطريق، فسحقت سيارته واشعلت فيها النار .

ولم يسلم من الاغتيال علماء الدين رغم ان اغلبهم لم يتقرب من العمل السياسي، ففي مساء يوم ٩ نيسان ١٩٨٠ تم إعدام المرجع محمد باقر الصدر مع أخته آمنة الصدر بالرصاص بأمر من صدام حسين شخصياً بتهمة التخابر مع إيران. و كان تبرير السلطة لهذه الجريمة انه احد مؤسسي حزب الدعوة. فيما لم يكن لها تبرير في اغتيال (الشيخ مرتضى البروجردي) احد مراجع الدين في النجف الأشرف، حين قام شخص باغتياله بتاريخ ٢١ نيسان سنة ١٩٩٨م بإطلاق النار على رأسه من الخلف وهو في طريقه الى داره بعد صلاة العشاء.وكذلك اغتيال (الشيخ علي الغروي) احد مراجع الدين في النجف الأشرف، الذي اغتيل في ١٨ حزيران سنة ١٩٩٨م بإطلاق الرصاص عليه من قبل اشخاص كمنوا له في الطريق بين كربلاء والنجف الأشرف فقتل مع صهرة ومن كان معه.

وحتى المرجع (محمد محمد صادق الصدر) وهو من مراجع الدين الكبار في النجف الأشرف،لم يكن، أو يريد العمل السياسي، لكنه أصبح كثير الأتباع ما شكل تهديدا للسلطة. فكان له عدد كبير من المقلدين في كل انحاء العراق، وكان يلقي خطبه في مسجد الكوفة ينتقد فيها بعض الظواهر الشاذة في المجتمع، ففي التاسع عشر من شباط ١٩٩٩ وبينما كان الصدر برفقة ولدية مؤمل ومصطفى في سيارته عائداً إلى منزله في الحنانة في النجف، تعرض لملاحقة من قبل سيارة مجهولة فاصطدمت سيارته وهي من نوع ميتسوبيشي بشجرة قريبة، وحسب التقارير الطبية والشهود العيان ان المهاجمين ترجلوا من السيارة وأطلقوا النار على الصدر ونجليه وتوفى إبنه مؤمل الصدر فورا، اما محمد محمد صادق الصدر فقد تعرض الى رصاصات عدة، ولكنه بقي على قيد الحياة، وعند نقله إلى المستشفى تم قتله برصاصة بالرأس، أما إبنه مصطفى فأصيب بجروح ونقل إلى المستشفى من قبل الأهالي وتوفى هناك متأثراً بجراحه.

كان الاغتيال هو اللغة التي تعامل بها النظام السابق مع كل من يعتقد انه قد يشكل خطرا عليه، والغريب ان النظام لجأ إلى هذه الطريقة رغم امتلاك كل أدوات السلطة مثل الأجهزة الأمنية والقضائية، التي كان يمكن استخدامها دون خشية من اية ردات فعل داخلية او خارجية، تمامآ كما فعلت وتفعل أحزاب السلطة بعد ٢٠٠٣، وخاصة ما بدر منها ضد الشباب المنتفض ضد فسادها وفشلها في إدارة موارد الدولة.

أقرأ أيضا