“لا يوجد بيننا قوي بمفرده بل نحن من يقوي بعضنا بعضا”، عبارة اقتبستها من أحد الأفلام الأمريكية والتي ظلت عالقة في مخيلتي رغم كثرة الأفلام التي شاهدتها بعد ذلك الفيلم، ربما لانها حقيقية جدا ولأنني ما ازال اشاهد النساء وحتى القويات منهن يبكين ويتألمن، ولكن لا ينكسرن بفضل ذواتهن أولا وبفضل تكاتف من حولهن معهن.
لا تزال مشاكل الكثير من ربات البيوت هي أم الزوج وتهديدها بتزويج ابنها من أخرى في حال دخلت في خصام معها او عكرت مزاجها، ولا زال الكثير منهن يتألمن من إلحاح امهاتهن على أمر الزواج، حتى يصل بهن الحال الى وصفهن بـ”البائرة” أو ممن فاتهن القطار، ولا تزال الكثير من الكتب لا تقرأ لانها من تأليف نساء وخاصة في مجالات العلم والفلسفة والكثير من المنتجات لا تشترى لانها صناعة منزلية من صنع نساء ومن قبل النساء انفسهن.
في محاولتي لإقناع احدى الفتيات بالعودة إلى مقاعد الدراسة، خوفا من تعاستها مستقبلا بسبب عدم الحصول على شهادة، وبالتالي تبقى بلا عمل، حتى وجدتني اصف الكثير من النساء ممن حولي على الرغم من أنهن أكملن تعليمهن والعديد منهن على درجة عالية من الثقافة والرقي.
يبدو أننا “نعم” متساوون، لكن في عدم الكفاءة وعدم الإنتاجية وعدم الجدوى رجالا ونساءً على حد سواء، وبالوقت الذي أغلق فيه باب التعيينات بجدار من حجر الكرانيت فباب العمل في القطاع الخاص يقف على اعتابها سجان لا يسمح بدخول أحد قبل أن يقيد رجليه ويديه ورقبته بسلاسل من الذل والعبودية او لا يدعك تدخل لتبقى تترنح بين الفقر والعوز وحتى الجريمة في بعض الأحيان، وضغط هذا الواقع على النساء أمر واشد، كون التنازلات التي تقدمها من أجل الحصول على فرصة عمل تضمن كرامتها هي التنازل عن تلك الكرامة ذاتها.
وفي غمار كل هذا يمكننا أن نسأل عن تأثير الناس بعضهم على بعض، وعن قدرتهم في تغيير هذا الواقع وفق الممكن والمعقول، فيكون الجواب وبكل رحابة صدر صفرا فنحن غير قادرين على دعم اي انسان وخاصة النساء اللاتي يقررن العمل من المنزل أو دعم من تعرض بضاعتها في الشارع او من تفترش الرصيف او من تملك مشروعا صغيرا وبسيطا ليكفيها الذل او الخضوع والعبودية او الجريمة، بل ونزيد من قلقها ومن مخاوفها حتى لا تتجرء وتنزل إلى سوق العمل كمنتج، وليس كمستهلك فتارة نخوفها بالعيب ومن أعراف المجتمع، وتارة نخوفها من الفشل المتربص بها لأنها فتاة.
ما الضير لو تم شراء المنتجات التي تصنعها وتبيعها وتسوقها نساء؟ ما الضير لو تم التعريف او الدعاية المجانية لتلك المنتجات ولو عن طريق استخدامها او ارتدائها والتنبيه على ذلك متى ما سمحت الفرصة من قبل الفنانين والمثقفين والسياسيين والشعراء والعاملين بالمنظمات كافة، النسوية منها وغير النسوية؟
قد يرى البعض أن ما ذكر اعلاه هو محض تشجيع للصناعة المحلية ليس إلا، لكن الحقيقة انه تشجيع لمنتجات النساء بالدرجة الأساس.
جميع انواع العنف التي نسمع عنها او نشاهدها عيانيا كل يوم يرجع جذرها إلى غياب مصادر الدخل الذاتية، وبالتالي اعتمادها على أشخاص آخرين وهم في الغالب رجال، مما يجعلها أسيرة ضعف وذل وتبعية بكل شيء.
فلنقوي بعضنا بعضا كـ”نساء” نعرف حجم تلك المعاناة الإنسانية التي تعيشها غيرنا من نساء جنسنا وكمستهلكات لا يقف السوق شامخا بدون البضائع التي تروج للنساء دون غيرها بحيث لو تم سحب البضائع التي تخص الرجال من السوق لما اهتز توازنه قدر نملة.