في العام ٢٠١٢ أعلنت الحكومة العراقية السابقة برئاسة السيد المالكي عن مشروع قانون البنى التحتية، ورفعته إلى البرلمان آنذاك للتصويت عليه؛ ليكون منطلقاً للنهوض بالبنى التحتية العراقية التي كانت ولا تزال تشهد تخلفاً كبيراً، وقد تباينت الآراء بشأنه في ذلك الوقت، بين مؤيد ومعارض، إلا أن الطابع العام كان ينحو باتجاه رفضه، لاسيما في الأوساط السياسية، والتي بررت رفضها بان هذا القانون سيرهن النفط العراقي للشركات الاستثمارية لعشرات السنين، فضلا عن اضعاف سيادة العراق على ثرواته.
وفي حينها سالت بعض المختصين بالشأن الاقتصادي ممن أثق بحياديتهم فاجابوا بان الاقتصاد العراقي يحتاج إلى ما يسمّى (الدفعة القوية)، وان هذا القانون يعطي دفعة كبيرة باتجاه النهوض بالبنى التحتية، والتي تمثل عماد الاقتصاد العراقي، لكنهم اشترطوا في ذلك وجود إدارة كفوءة ونزيهة لتلك المشاريع ..
اما اليوم فنجد أن الحكومة الحالية مدركة تمام الإدراك مشكلة البنى التحتية في العراق، وتحاول توفير معالجة مشكلاتها التي تراكمت على امتداد السنوات السابقة؛ لذا فإنها تسعى إلى خفض نسبة العجز فيها من خلال مؤتمر المانحين المقرر عقده في الكويت منصف الشهر الجاري، وقد دعت له أكثر من سبعين دولة؛ ومن المقرر أن يخصص هذا المؤتمر لامرين أساسيين هما:
الاول: طرح مشاريع استثمارية يصل عددها إلى (١٥٧) مشروعاً؛ منها الاستراتيجية الكبرى، ومنها المتوسطة، بما في ذلك النفط والغاز والنقل والإسكان والزراعة بحسب ما أعلنت عنه الهيئة الوطنية للاستثمار في العراق، في حين تحدثت مصادر غير رسمية عن (٢١٢) مشروعاً.
الآخر: جمع مبلغ (١٠٠) مليار دولار بعنوان (منحة) من الدول المشاركة، وستخصص لإعادة إعمار المناطق المحررة من سيطرة عصابات داعش الإجرامية.
واستنادا إلى ذلك أرى ان الشق الأول من المؤتمر مقارب إلى حد كبير إلى مشروع إعادة إعمار البنى التحتية الذي أعلنت عنه حكومة السيد المالكي في العام ٢٠١٢، إلا أنّ الغريب في الأمر عدم وجود اعتراض معلن الى الان من قبل السياسيين؛ فلم يُبدِ أيّاً منهم اعتراضا على المشاريع الاستثمارية التي ستطرحها الحكومة العراقية في المؤتمر، وأرى أنّ هذا السكوت يُفسّر بامرين لا ثالث لهما:
الاول.. ان الكتل السياسية تنتظر نتائج المؤتمر وما سيتمخّض عنه لتبدأ حراكها بعد ذلك.
والثاني.. أنها تعرف ما ستؤول إليه نتائج المؤتمر ومتفقة عليها مسبقاً، وهذا ما استبعده إلى حد كبير.
امّا ما يتعلّق بجمع (١٠٠) مليار دولار من الدول المانحة فلا اعتقد انه سيتحقق؛ وذلك لعدّة أسباب اهما:
١. نتائج منتدى دافوس الاقتصادي الذي انعقد في شهر كانون الثاني الفائت، والذي أشارت بعض التقارير المسرّبة عنه من أن السيد العبادي خرج ممتعضا منه لكونه لم يجد الدعم المناسب الذي كان يرجوه من دول العالم.
٢. ما ورد في وكالة رويترز للانباء نقلا عن الأدارة الأمريكية من إنّ واشنطن لا تعتزم المساهمة بالأموال في صندوق إعادة إعمار العراق خلال المؤتمر المقرر عقده في الكويت.
٣. ما أوردته صحيفة الأندبندنت البريطانية من أنّ امريكا تعول على المساعدات المالية من دول جوار العراق، خاصة السعودية على أمل تحقيق التقارب مع بغداد وتقليل النفوذ الإيراني في العراق.
هذه المؤشرات وغيرها تجعلنا غير متفائلين كثيرا بنتائج هذا المؤتمر، لا سيّما ما يتعلّق منه بمساعدات الدول المانحة؛ إلا أنّ المعوّل سيكون على المشاريع الاستثمارية التي ستطرحها الحكومة فيه.
ولكن يبقى السؤال المطروح بقوة الان هو: ما مدى اتفاق الكتل السياسية على إنجاح هذا المؤتمر؟
لم نحصل على الإجابة الشافية إلى الآن، إلا أننا نأمل أن يكون هذا المؤتمر محطة للانطلاق نحو أفق البناء والأعمار في العراق.