صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

من يأتي بالمنقذ..؟

لم يكن مفاجئاً للكثير من العراقيين، باستثناء اصحاب النيات البرئية، ان تشكيل حكومة عراقية جديدة أسوأ عملية انتخابات، ستكون عملية عسيرة، ومعقدة.

وعلى الرغم من وصف البعض لما يجري في البلاد بـ“العملية السياسية”، إلا انه في واقع الأمر لا يمت بأية صلة للسياسة، ولا بالعراق كوطن أو بالعراقيين كشعب، انها صفقات تجارية يتعامل بها الصغار من منطلق مطامع ومصالح شخصية، ويستخدمها الكبار لتنفيذ أستراتيجيات ترتبط بمشروعات أقليمية. ولذلك بدت الدهشة على وجوه العراقيين وهم يشاهدون طبيعة التحالفات التي نشأت قبل الأنتخابات والتي تكونت وبعدها.

لم يدرك البعض ان الإنتخابات الفاسدة لابد ان تلد اوضاعا هي الأخرى فاسدة، فناموا ليلتهم يتقلبون على توقعات بمجيء منقذ يقلب المعادلات وينشر الأضواء.. ولعل صفقة شراء ذمم النواب في مجئ الحلبوسي رئيسا لمجلس النواب قد أزاحت الستار عن أول الولادات المشوهة.  

الكل يعرف ان المجيء بعادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء لم يكن لقدراته، أو لحكمته، على قيادة المرحلة القادمة، وانما كانت خلطة بازارية متقنة لتفادي صدام قد يؤدي الى تفجير تناقضات في بئر المكون، من شأنها ان تتسبب باضرار بليغة في مشروع الاخ الأكبر الرابض خلف الحدود، فكان لابد من  إحتواء تطلعات الصدر وتياره قبل انفلات النوايا.

ولم يكن اعلان اصحاب البازار الكبار عن منح عبد المهدي الصلاحيات الكاملة في إختيار كابينته الوزارية، وعدم التدخل في خياراته، سوى  تمرير بضاعة كاسدة اختبر العراقيون عدم صلاحيتها على مدى خمسة عشر سنة، كذلك لم يكن في خاطر الكبار ان يسمحوا بمثل هكذا معادلة تكشف عن فسادهم وصفاقاتهم وتعطل مشروعهم، فكان صراخهم عالياً امام الناس حول صلاحيات عبد المهدي في اختيار وزرائه، لكنهم يفرضون عليه من خلف الستار اتباعهم الملوثيين بكل انواع الفساد والتبعية.

هذا الأمر خلق تعارضاً داخل تحالف كتلة سائرون البناء، الأمر الذي دفع كتلة البناء الى الإعلان عن  نيتها فك الإرتباط مع الصدر، واللجوء الى الأغلبية في مجلس النواب للتصويت على مرشحيهم، حتى بات الجميع يتدافعون في تعاريج مأزق كبير.

عادل عبد المهدي، الذي كان يهدد بأن استقالته في جيبه في حال تدخل الأحزاب والكتل في اختيار وزرائه، لربما شعر بدفئء كرسي الرئاسة، فتراخت يده ولم تعد قادرة الى الوصول الى جيبة ليستل ورقة الإستقالة، ولعله ينتظر اللحظة الحاسمة ليفعل ما هدد به، خصوصاً إنه بلا حول ولا قوة تساعداه على فرض رؤيته في كل ما يجري حوله.

الصدر بزعامة تحالف سائرون يكاد ان يملك قوة الشارع العراقي، وقادر على تحريكه في الوقت الذي يريد، وهو لايستطيع التنازل عن وعوده بالموافقة على مطالب تحالف البناء وزعيمها هادي العامري، كونه يستدعي النكوص عن وعوده وتغريداته، ويضعه في موقف حرج أمام جماهيره والمتحالفون معه، ومن ثم قد لا يكون في يده سوى الانسحاب مما يدعى بـ”العملية السياسية”، وما لذلك من مخاطر جمة على أية حكومة تتشكل بمعزل عنه.

هادي العامري زعيم تحالف البناء، المعروف برجل إيران في العراق، يكاد ان يكون لديه الأغلبية داخل مجلس النواب، لاسيما بعد التفاهمات السرية مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو من يملك قوة السلاح، ويملك ان يخلق المطبات امام أيةحكومة متى ما شعر بالخطر على مصالحه، ومتى تهدد مشروعه..

وبين هذه الانحناءات الحادة في الوضع الحالي، يبدو ان الكل متمسك بوجهة نظره، والكل متشبث بمصالحه، وحتى صوت المرجعية الدينية لم يعد، كالعادة، مسموعاً، فقد انطلق من مدينة النجف لكنه وصل الى بغداد ضعيفا يصعب سمعه.

وبالتالي.. فان هذه التداعيات تقتضي ان يكون هناك من عليه ان يدفع ثمنها، وليس هناك من سيدفع الثمن سوى من لم يكن متفاجئاً، وأصحاب النيات البريئة على حد سواء.

أقرأ أيضا