صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

من يحرك كرة الثلج؟!

العدمية التي تفتك بعموم العراقيين لم تظهر من فراغ، وعلينا أن لا نمارس تأثيم الذات لدرجة الاحتقار والدونية، دون النظر إلى المقدمات التي أفضت إلى هذه النتائج. وطبقاً لهذا المعاناة توصّل الكثير منّا إلى نتيجة مفادها: لماذا أعيش في وطن يمعن في تدميري ويتعامل معي كما لو أنني خروف معد للذبح تحت شعارات زائفة؟، ولماذا لا أفكّر لتطوير فرديتي بعيداً عن الخطابات الفارغة، لأن الوطن مفهوم ميتافيزيقي!، ولا وجود له في الواقع، وهو في أحسن حالاته مجموعة من العقارات!، فلطالما كان الوطن جرح مفتوح يأخذ ولا يعطي.

ينبغي أخذ هذه الحالة بنظر الاعتبار ونحن نلاحظ هذا الشتات المرعب، وسنجانب الحقيقة أن تعاملنا مع هذا الحدث الخطير تعاملاً تبسيطياً، فبهذه النتيجة المروّعة يندر أن نعثّر على اتفاق بين العراقيين فيما بينهم حتى على مستوى الحقوق العامة، لأنّهم رعايا وليسوا مواطنين، وأضحت الجغرافيا التي يقطنون بها لا تختلف عن الزنزانة. يقال في مثل هذه الحالة، تظهر خيرة عقول المجتمع لرسم الخطوط العريضة للصالح العام، ونطلق على هذه العقول تسمية “المثقفين” أو “النخبة”، الذين يدركون طبيعة حركة التاريخ، ويتبصرون سياقهم الاجتماعي بعمق ودراية. وهذه الفئة ليست على اتفاق تام ويصعب توحيد رؤاهم على قبلة واحدة، والقسم الآخر منهم مهموم بطرق الاسترزاق والعيش الرغيد والبحث عن حياة بعيدة عن الصخب، فضلا عن نفور المجتمع منهم. ثمّة فراغ مرعب يتسع كل يوم نابع من قوة الآيدلوجيا الاجتماعية المحافظة، والتي تقاوم  كل أشكال التنوير (إن وجدت)، فهي مستعدّة للحفاظ على القيّم الراسخة حتى لو كلّفها حياتها، إنّها تستبسل للدفاع عن هذه القيم مفضلةَ أيّاها على كل شيء. ومن جهة أخرى نلاحظ غياب أو تذبذب النخبة الفاعلة، والتي يبدو إنها عاجزة عن رسم سياسة واضحة للصالح العام.

بهذه المقدمتين السالفتين تتكون عناصر الانسداد؛ إيديولوجيا اجتماعية ممانعة، ونخبة غير مؤثرة، نتيجتها؛ سلطة سياسية فاسدة ومنحطة، وهيمنة خارجية على كل مقدرات البلد، وجيل يحفل بكل أشكال العدمية يتنكر لكل شيء لعدم توفر نموذج يوفر له حياة حرة كريمة. فينتج من هذا ما اسميه ثقافة الكفر والإلحاد؛ ليس الكفر والإلحاد بمعناه الشائع، بل يتداخل في كل مسامات السلوك والتفكير. أنه كفّر بالماضي والحاضر والمستقبل، جيل يرزح تحت سطو الاستلاب، لا يرحب بأي شيء، لأنه يشعر أنه مستغفل وتمارس عليه كل أشكال الاستمطاء، فما هو الوطن في ضميره؟ إنه ألعوبة الآيدلوجيا المهيمنة، ألعوبة القيم العشائرية والمذهبية، قافلة من الموتى المؤجلين إلى إشعار آخر.

نحن الآن في مرحلة تاريخية سكونية، وتحتاج إلى جيل وطني يعي هذه الخطورة ليدحرج كرة الثلج، لأن النتيجة التي أسلفناها ستتحول إلى مقدمة جديدة!، وهذه الأخرى ستكرر الماضي بأشكال تعبيرية مختلفة، وسنبقى في تراكم فوضوي، فإذا فقدنا المفكّر المتبصّر من يحّول التراكم إلى نتائج كيفية؟ سيبقى إذاً تراكم فوضى، فهناك مؤسسات عريقة بإبقاء هذه الفوضى حتى إشعار آخر، فياترى من سوف يدحرج كرة الثلج ويحرّك سكونية التاريخ في هذه المنطقة المغضوب عليها؟.

أقرأ أيضا