صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

موت الرئيس.. الصدمة التي أربكت الجميع (2-3)

لم يكن تكوين المجلس العسكري الذي أعلن عنه بالأمر السهل بعد مقتل الرئيس التشادي ديبي وارتباك أغلب القيادات العسكرية التي بجانبه، فالدائرة الضيقة من قادة قوات الإدارة العامة لحماية مؤسسات الدولة الـDGSSIE (الحرس الجمهوري) وهي بالكاد تكون جميعها من عشيرته المقربة أبقت هذه الدائرة الخبر في سرية تامة وتكاثفت الاتصالات بينهم والسفارة الفرنسية وقيادة القوات الفرنسية في قاعدة أنجمينا، التي كانت على علم طبعا بما حدث، تم الاتصال بعدد من الجنرالات الذين ظهر بعضهم في المجلس العسكري الانتقالي في اجتماع مغلق ومحكم لوضعهم أمام الأمر الواقع بمقتل الرئيس بل وبخصوص اختيار ابنه وسيكونوا شركاء جميعا في الفترة الانتقالية، وما كان من المجتمعين إلا القبول والإذعان للأمر الواقع الذي أمامهم.

تقول بعض المصادر أن المخابرات العسكرية الفرنسية كانت على اتصال مع مهندس فكرة المجلس العسكري الجنرال محمد إسماعيل شايبو الذي أكد للحليف الفرنسي بأنهم يستطيعون توحيد الصفوف والتفاف المؤسسة العسكرية خلف ابن الرئيس محمد كاكا لإدارة فترة انتقالية.

من المؤكد طبعا أن الفرنسيين أنفسهم تفاجئوا بموت الرجل في الوقت الذي هم بحاجة ماسة لاستمرار خدماته التي بدأها معهم فيما يتعلق بمحاربة المتطرفين في دول الساحل الإفريقي، وبالتالي يبحثون عن الحلقة الأقوى التي تستطيع إبقاء هذه الخدمات بنفس نهج ديبي الذي عودهم على السمع والطاعة، وكعادة الدول الغربية دائما تبني على الخيار الأقوى على الأرض ومن يفرض نفسه ويحمي مصالحهم.

الملاحظ أنه تم اختيار المجلس العسكري بناء على التنوع والمناطقية والقبيلة، وهذه الأخيرة لها تأثير كبير على الحياة العامة التشادية، فالمجلس مكون من جنرالات من الشمال والجنوب والغرب والشرق والوسط، لكن الحقيقة التي يدركها كل متابع للأمر أن البصمة والتأثير في المجلس لشخصيتان لا ثالث لهما، الجنرال طاهر إردا المقرب جدا من الرئيس الراحل والمتمرس الذي يفهم مداخل ومخارج القوات المسلحة وحدة الـDGSSIE التي فيها كل شيء من التجهيزات العسكرية المتطورة، والثاني الجنرال محمد اسماعيل شايبو رجل الأمن قليل الظهور كثير العمل، الذي يمسك بكل خيوط الاتصالات والتنسيق مع الحلفاء (فرنسا على وجه الخصوص)، أما البقية الباقية فكانوا عبارة عن ديكور استجابة للعواطف القبلية للإنسان التشادي، ولا أعتقد بأن غالبيتهم يفهم ماذا يعني مجلس عسكري حتى.

في نفس يوم إعلان وفاة الرئيس صباحا أي 20 أبريل، أمر محمد كاكا بإيعاز الجنرالات إخراج بعض الآليات العسكرية وانتشارها في العاصمة، في هذه الأثناء تتحدث هذه المصادر عن نقل جثمان الرئيس بعد تجهيزها من إحدى الفلل الرئاسية بحي فرشا إلى غرفة حفظ خاصة موجودة في مستشفى الأم والطفل قبل أن ينقل مرة أخرى إلى مكان آخر.

عادة وفي كل المجالس العسكرية أن من يرأسه هو من يقرأ البيان الأول، لكن ونظرا لعدم الجاهزية للجنرال الصغير محمد كاكا تمت قراءة البيان في الظهور الأول للمجلس من قبل نائبه وزير الدفاع الجنرال أزيم برمانودوا أقونا، ولم تتأخر حركة فاكتFACT التي قتلت الرئيس في رفض هذا المجلس العسكري بل منحت الجنرال محمد كاكا مهلة لدفن والده فقط تنتهي يوم الخميس 22 أبريل، رغم أن المجلس العسكري دعا كافة التشاديين للحوار.

حتى كتابة هذه الرواية -للأحداث- أن غالبية المعارضة السياسية والمجتمع المدني مع الحوار لكن يرفضون التوريث واستمرار النظام السابق، بينما ما زالت الحركات المسلحة متمسكة بخيارها في تغيير نظام ديبي كليا بقوة السلاح، في الوقت الذي باركت فيه فرنسا المجلس العسكري بطريقة غير مباشرة وأعلن الإليزيه حضور ماكرون مراسم تشييع الرئيس الراحل ديبي الجمعة 23 أبريل.

إعلان الوفاة فاجأ الجميع خصوصا المواطنين الذين حضر أغلبهم حروبا في هذه البلاد، فالأجيال التي حضرت فترة حروب التسعة أشهر بين عامي 1979-1980  وما قبلها منذ فجر ثورة فرولينا إلى الاستقرار النسبي للأوضاع بوصول هبري 1982م تدرك خطورة الحروب وتتخوف من إعادة السيناريو، كما أن من ولدوا في عهد ديبي أيضا حضروا أكثر من حرب أقربها 2006 و2008 في العاصمة أنجمينا، وبالتالي الكل يتخوف من شبح الحرب القائم الآن وفي نفسه عشم التغيير إلى الأفضل من نظام ديبي الذي لم يحدث تنمية تذكر مقارنة مع موارد البلاد.

وكعادة التشاديين في حالات الموت وجد خبر رحيل الرئيس تعاطفا كبيرا وترحما من أعدائه قبل أصدقائه.

يتحدث الكثيرون عن مؤامرة أو اغتيال للرئيس من قبل الجنرالات المقربين منه ويربطون ذلك بأحداث المعارض يحيى ديلو وبعضهم باستغناء فرنسا عن خدماته لكن شخصيا استبعد هذه الفرضية لأسباب كثيرة سنذكرها في لاحقا.

أقرأ أيضا