خمسة أيام والعالم برمته يقطع الأنفاس مترقبا عملية إنقاذ الطفل المغربي “ريان” ذي السنوات الخمس والذي شاء القدر أن يسقط في غيابة جب عمقه يصل إلى أكثر من خمسة وثلاثين مترا ولا يتجاوز قطره الثلاثين سنتمترا، ورغم الجهود الجبارة التي بذلت طيلة الأيام الخمسة التي قضاها في ذلك الجب لإخراجه منه لكن الموت كان أسرع ولم تستطع الفرق الطبية إنقاذه رغم نجاح الجهود في إخراجه، فاضت روح (ريان) إلى بارئها وتركت غصة وألما وحزنا لا نضير لها في كل العالم.
الإنسانية قبل كل شيء
لم ينظر العالم لديانة “ريان” ولا لقوميته ولا لعرقه إنما نظر له كإنسان أولا، طفل بريء دفعته براءته في الوقوع في ذلك البئر فتوجهت كل الأنظار إلى السماء ورفعت له صلوات الأديان المختلفة داعية ربها أن ينقذه من هذه المحنة وحين أعلن عن وفاته اغرورقت العيون بالدموع وأدمى رحيله قلوب الملايين، فلم يكن العالم حاضرا تلك المأساة إنما كانت الإنسانية هي الشاهد الوحيد على هذا المشهد التراجيدي المؤلم وكأن الله كان يخاطب خلقه في رسالة غيبية طيلة تلك الايام الصعبة يذكرهم فيها بأنه خلقهم من نفس واحدة قد سواها وألهمها فجورها وتقواها.
بالأمس آلان واليوم ريان
بين الحين والآخر تتكرر نفس المشاهد المأساوية وترسل السماء نفس الرسائل عسى أن تجد من يفهمها، فقبل سبع سنوات هز العالم مشهد الطفل السوري الكردي “آلان” الذي رمته أمواج البحر الهائجة إلى اليابسة ليكون جسده المسجى على الجرف عار على كل من شرده من دياره وتسبب في موته وفي موت عشرات الآلاف من السوريين الأبرياء الذين قضوا تحت القصف الأعمى بصواريخ الأخوة الأعداء في حرب فرضتها شراهة الحاكم للسلطة وتشبثه بالكرسي، قُتِلَ من قُتِل دون ذنب وهاجر من تبقى منهم ليواجه الموت في البحر أو يعيش في مخيمات الذل، فلم يعرف أولئك الأبرياء ما هي الحياة، أطفال فتحوا أعينهم على الحرمان والقهر والتشرد القسري في مخيمات هي الأسوأ حتى من مخيمات النازية السيئة الصيت حتى اُختُزِلَت أحلامهم في هذه الحياة بكسرة خبز وقطرة ماء وقطعة خشب تمنحهم بعض الدفيء بعدما عجزت حتى أحضان الأمهات الثكلى عن تدفئتهم، لا يعرفون ماذا يعني مصطلح المدنية في الوقت الذي يتمتع أقرانهم في دول أخرى بكل مقومات الحياة المرفهة.
موت الضمائر!!
لا أعلم كيف يستطيع الساسة في بلداننا أن يعيشوا في القصور وأن يكسبوا المليارات وأن يسرقوا قوت الشعب وأن يعيشوا كل تلك الرفاهية وشعوبهم تعتاش على القمامة؟ ولا أعرف ماذا يفكر من يتصارع على السلطة ويلتصق بالكرسي بأي وسيلة وشعبه يئن تحت وطأة الجوع والمرض والقهر والظلم؟ ولا أجد تفسيرا لمن يلهث خلف تلك المغريات وهو يعلم بأنه سيرحل يوما ما ويتركها خلفه دون أن يبقي لنفسه أثرا وذكرا طيبا؟ قد يسأل سائل، ما علاقة رحيل الطفل المغربي “ريان” بأوضاع بلداننا السياسية في المشرق؟ الجواب يكمن في أن رحيله لم يكن اعتباطا إنما هي رسالة سماوية بليغة لمن ماتت ضمائرهم قبل أجسادهم وإنهم سوف يُلعَنون وسوف يقبعون في مزبلة التاريخ وسوف يُحشرون في قعر جهنم على ما فعلوا بينما سيكون “ريان” و”آلان” ومن رحل بسبب أصحاب تلك الضمائر الميتة طيورا محلقة في جنان الله العليا.