صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

ميزوبوتاميا باقية.. و”أعمار الطغاة قصارُ”

علم اسرائيلي يجاور علم اقليم كردستان بمناسبات عدة.. عرابون اسرائيليون يلتقطون الصور علانية بأروقة أماكن التفاوض.. عمليات تزوير تطال استفتاء تم بلا حسيب او رقيب.. أكراد يحرقون العلم العراقي وسط اربيل.. نعش رئيس الدولة العراقية مام جلال (صمام الامان وحامي الدستور ورجل التوازنات) يُلف بعلم كردستان في السليمانية، لا بالعلم العراقي ولا يشيع ببغداد، هذا وغيره صور موجعة لن تُمحى من الذاكرة العراقية المليئة بالحسرات والمؤامرات.

تلك الرسائل التي وصلت بدقة كبيرة من قادة كردستان، ستبقى نقطة معتمة في زمن الديمقراطية الهشة، لن تُطمئن حكومة بغداد وجاراتها، لأنها تحمل دلالات انفصالية وتتجاوز على خصوصيات المنطقة والاقليم والدولة الام، ولم تراع اوضاع البلد المرتبكة، لذا فأن استفتاء العبث هذا لن يؤدى الى بناء دولة تحترم نفسها وجيرانها، بل ان مشاهد كهذه لن تؤسس سوى لدولة مبنية على الكراهية، وخصوصا بعد رحيل رجل الاعتدال، الرئيس الذي حاول مسك عصا الدولة العراقية من وسطها طوال فترة حكمه.

نعم، نقدر حق تقرير مصائر الشعوب والامم التي تعاني الظلم او الاستبداد او العبودية او التجويع، وغيرها، لكن مؤشرات ما بعد 2003 تؤكد ان الاقليم عاش فترة ذهبية من خلال منحه موازنات انفجارية وايرادات كبيرة، كان يحلم بها القادة الكرد مُذ كانوا معارضين في أعالي الجبال، ولغاية سقوط نظام صدام.

لذا فان سيناريو الانفصال يجب ان يكتب بأياد وطنية، وبحبكة سياسية بعيدة عن النزعة العنصرية، وعلى القادة الكرد التفكير بمصلحة البلد اولا، ان كانوا يعتبرون انفسهم جزءً لا يتجزأ منه، تهمهم مصالحه وسيادته وحفظ امنه، لاسيما مع تواجد “داعش” الارهابي على تخوم كردستان وفي “مناطق متنازع عليها”، كما ويجب عدم استفزاز شريحة كبيرة من العراقيين والعرب والمسلمين ممن يعادون دولة اسرائيل.

ومن الواضح ان غالبية العراقيين يرفضون رفضا قاطعا انسلاخ أي جزء من البلد، لان ذلك سيبرر لانفصال كانتونات عرقية او قومية او طائفاتية وربما عائلاتية او قبلية، ويرفضون ايضا طمع الساسة بالاراضي التي تضم كميات كبيرة من النفط الذي اصبح نقمة على السواد الاعظم من ابناء الشعب العراقي.

فحين تنبأ اكثر المتفائلين بأن بترول المنطقة سينضب بعد 100 عام تقريبا، فأن كل متعقل يعلم بأن الحضارات باقية للابد، وشرف الانتماء للوح الكتابة الاول والرُقم الطيني الاول حلم يرافق كل شخص على وجه الارض.. نعم، نتشرف بالانتماء الى ميزوبوتاميا.. ونحن ابناء سومر وبابل وآشور وأكد، وان هذا البلد “باقٍ وأعمار طغاته قصارُ” فيما يبقى تقرير المصير حق مشروع للجميع، لكن، ليس على الطريقة البارزانية – العائلاتية.

صحفي وناشط

أقرأ أيضا