لقد اسقطت داعش مدينة الموصل العراقية بجيش اعلامي الكتروني جرار يقف خلفه امهر الخبراء في الحرب النفسية والدعائية، بالإضافة الى حفنة قليلة من المقاتلين الذين عبروا الحدود والذين لا يعتبرون تهديدا حقيقيا بامكانه اسقاط هذا العدد الكبير من المدن والقرى والقصبات.
فالمدن العراقية كانت تتهاوى الواحدة تلو الاخرى وبدا الانهيار النفسي واضحا حتى لدى القوات الامنية المرابطة في عمق العاصمة العراقية بغداد، كل ذلك ليس بسبب اعداد المقاتلين الدواعش او تسليحهم وتجيهزاتهم فمن خلال الحسابات العسكرية وبموازين القوة على الارض يفترض ان الغلبة العسكرية تكون لصالح القوات العراقية في اي مواجهة بين الطرفين، كل هذا حدث في ظل انهيار اعلامي للمؤسسات الحكومية وغير الحكومية.
لكن ما حصل بالعكس تماما، وبالاضافة الى وجود عوامل عدة منها الخيانات العسكرية والمدنية والفساد والشحن الطائفي، كان عامل الحرب النفسية هائلا في التاثير على اوضاع المقاتلين العراقيين وفقدانهم الامل باستعادة السيطرة على الاوضاع، سيما وان العقل اللاواعي العراقي مشبع بصور ومشاهد عن انكسار الجيش العراقي عام ١٩٩١ وهروب بعض أفراده وكذلك انكسار الجيش العراقي عام ٢٠٠٣ وهروب الكثير من القيادات والجنود في ذلك الحين.
ومن الجدير بالملاحظة فان فتوى الجهاد الكفائي التي اطلقها المرجع الديني الاعلى في النجف السيد السيستاني كانت اثارها النفسية في رفع المعنويات القتالية لدى القوات العراقية اكبر بكثير من تاثيراتها العسكرية، حيث التقط الجميع انفاسهم واعادوا تنظيم صفوفهم استعدادا لتحرير الاراضي العراقية في حين اعتبر اخرون ان بداية النهاية لداعش هو بتاريخ صدور تلك الفتوى.
وبعد اربع سنوات من المعارك الطاحنة فاننا نجد ان انتصار العراقيين على داعش يبدو انه كان انتصارا غير مكتمل الفصول والحلقات، ولم يتم القضاء على مفاصل واركان التنظيم الارهابي العميقة والتي تختبئ كجيوب اعلامية والكترونية هنا وهناك.
نعم .. تم اسقاط داعش عسكريا، لكنه لا يزال يسيطر على الفضاء الإعلامي وتوجه الرأي العام بقوة عبر مجموعه من الوجوه اللطيفة ذات الذقون الحليقة او المصففة واختفت تلك الوجوه الارهابية البشعة بالاضافة الى شبكات منظمة في وسائل التواصل الاجتماعي تستثمر كل ازمة تحصل في العراق، لبث كميات كبيرة من الاخبار المشوشة والكاذبة او التي ليست لها اهمية من اجل حرف الانظار عن قضايا أخرى أهم، ليس آخرها الأزمة التي رافقت تظاهرات تشرين.
واليوم تتم هندسة وتنفيذ أبرع عملية لنزيف الذاكرة وبرمجة العقول لنسيان تلك المرحلة والانشغال بقضايا كثيرة ومتسارعة لغرض استكمال المخططات الارهابية في سحق هذا الشعب بالكامل من خلال إثارة النزاعات والصراعات الهامشية بين فئات الشعب العراقي وتعميق الشرخ الاجتماعي والأحقاد العنصرية والطبقية.
فإن الصخرة التي تكسرت عليها مشاريع واحلام داعش والمستثمرين من خلف داعش، حان الوقت لتفتيتها، هل يستطيعون ذلك؟
safaa.sharhan@outlook.com