بعد مرور أكثر من عشرة أشهر على الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، ووقوع أكثر من 40 ألف شهيد و92 ألف جريح وآلاف المفقودين تحت الأنقاض، ومعظم هؤلاء من النساء والأطفال والشيوخ، خرج إلينا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان “فولكر تورك” في 15 أغسطس 2024، ليصف ما يحدث بـ:”مرحلة مظلمة للعالم أجمع”.
وقال تورك في بيان نقلته الوكالات الإخبارية: “بالمعدل قتل نحو 130 شخصا يوميا في غزة خلال الأشهر الـ10 الأخيرة. حجم الدمار الذي لحق بالمنازل والمستشفيات والمدارس ودور العبادة على يد الجيش الإسرائيلي صادم للغاية”.
فهل العالم حقا يمر بمرحلة مظلمة، وهنا بالتحديد في الشرق الأوسط، بالنسبة لما تسمى بدولة إسرائيل والدول الغربية التي تدعمها، ليس منذ السابع من أكتوبر 2023، بل منذ ما قبل تشكيل الكيان الصهيوني هذا في 1948؟ لا بالطبع، للأسف الشديد.
فما دامت إسرائيل تجد أن من حقها أن تدمر المنازل والمستشفيات والمساجد والمدارس على ساكنيها، وتدمر البنى التحتية الضرورية لعيش الإنسان، فالعالم لا يمر بمرحلة مظلمة.
وإذا كانت الدول الغربية تجد أن من أول واجباتها هو الدفاع المطلق عن إسرائيل، والتغاضي عن جرائمها وانتهاكاتها ضد الشعب الفلسطيني، فالعالم لا يمر بمرحلة مظلمة.
وإذا كانت أمريكا تحرك الأساطيل البحرية/ حاملات الطائرات من أجل سواد عيون إسرائيل، وتقدم مليارات الدولارات لها وتهبها ما تشاء من أنواع الأسلحة الحديثة وأطنان غير محدودة من الذخائر، فالعالم لا يمر بمرحلة مظلمة.
وإذا كان من حق أي يهودي، من أي جنس كان، في أي بقعة من العالم، أن يحصل على الجنسية الإسرائيلية وثم يحمل السلاح ليخدم في الجيش الإسرائيلي وليقتل كيفما يشاء الفلسطينيين، فالعالم لا يمر بمرحلة مظلمة.
وإذا كانت أكثر الأنظمة السياسية العربية والإسلامية الحاكمة تقيم علاقات تطبيع معلنة وغير معلنة مع إسرائيل، متجاهلة حقوق الشعب الفلسطيني ومعاناته، فالعالم لا يمر بمرحلة مظلمة.
وإذا كان من حق إسرائيل في الشرق الأوسط أن تملك السلاح النووي، وأما بقية دوله فتمنعها من امتلاكه، وليس هذا فحسب، بل تفرض عليها أن لا تملك الأسلحة التي تهدد وجودها، فالعالم لا يمر بمرحلة مظلمة.
وإذا كانت عملية تهويد المسجد الأقصى مستمرة، والمتطرفون من الصهاينة يعلنون جهارًا نهارًا أنْ ليس هناك تراجع عن تهويده، فالعالم لا يمر بمرحلة مظلمة.
وإذا كانت ما تسمى بدول الممانعة والمقاومة لا تريد تصعيد الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة بفتح جبهات جديدة وتحويل الحرب إلى حرب إقليمية، فبالنسبة لإسرائيل، العالم لا يمر بمرحلة مظلمة.
وإذا كانت إسرائيل تتحكم كليًا في معظم أراضي الضفة الغربية وتسيطر عسكريا عليها، وتتوسع استيطانيا فيها، وتعد بضمها للدولة التلمودية، والسلطة الفلسطينية تخضع كليًا لإراداتها الأمنية والعسكرية والسياسية، فالعالم لا يمر بمرحلة مظلمة.
وسواء أنكرت إسرائيل أمام دول العالم أن صورتها الأمنية والعسكرية والديمقراطية تعرضت للاهتزاز والتآكل بعد السابع من أكتوبر 2023 أم لا، فإنها لا تشعر، مع الدعم الغربي- الأمريكي اللامحدود لها، أن العالم يمر بمرحلة مظلمة بالنسبة لها، لأنها تجد نفسها أيديولوجيا واستراتيجيا وسياسيًا متوافقة ومتلائمة ومتناغمة مع هدفها الأساسي الجوهري بكونها دولة احتلال استيطاني وهذا الهدف هو:”ضرب الديمغرافية العربية الفلسطينية في فلسطين وتحويل الحياة في الضفة الغربية وغزة إلى جحيم لإنهاء أي وجود عربي في فلسطين”.
هكذا ترى إسرائيل العالم، نور على نور اليوم، ومن هنا أيضًا تعرضت لضربة “طوفان الأقصى” وتداعياتها الكبيرة على العالم وموازين القوى الإقليمية والدولية، حين حسبت أن لا شيء أكبر من قداراتها، ولا خطر تعجز عن رده، ولا عدو لا تستطيع دحره.
هنا نقطة ضعفها الكبرى، حين تعجز عن قراءة العالم المحيط بها كما هو فترتكب حماقات استراتيجية!.
ولكن مهلًا: من يستغل حماقاتها لضربها؟!