لطالما كان العراق ساحة لصراعات سياسية وطائفية أرهقت شعبه وأضعفت بنيانه الداخلي. فمنذ عام 2003 وحتى اليوم، دفع العراقيون ثمناً باهظاً بسبب الانقسامات التي غذّتها أطراف داخلية وخارجية. واليوم، مع تصاعد التوترات الإقليمية، يعود الخطاب الطائفي ليطفو على السطح مجدداً، محاولاً جرّ البلاد إلى مستنقع الصراع الداخلي. لكن السؤال الجوهري هنا: هل نحن بحاجة إلى إعادة إنتاج التجربة الطائفية في العراق عبر استيراد قضايا خارجية لا تخدم سوى مشاريع الفوضى؟
التجربة الطائفية في العراق: دروس من الماضي
شهد العراق فترات قاتمة من الصراع الطائفي، كان أبرزها خلال عامي 2006 و2007، حيث سقط آلاف الضحايا نتيجة للصراعات بين الفصائل المسلحة، وانهارت ثقة المواطنين بالدولة وأجهزتها الأمنية. لم تجلب الطائفية إلا الخراب، وساهمت في تقسيم الشارع العراقي بين مكونات متناحرة، في وقت كان فيه العراقيون بأمسّ الحاجة إلى الوحدة لإعادة بناء بلدهم. فلماذا نعيد إنتاج نفس الأخطاء ونسمح لصراعات الجوار بأن تنعكس علينا؟
استيراد الطائفية من سوريا: خطر يهدد العراق
منذ اندلاع الصراع السوري عام 2011، تعاطى العراق مع الأحداث هناك بمنطق طائفي أكثر من كونه موقفًا سياسيًا أو دبلوماسيًا متزنًا. انخرطت بعض الأطراف العراقية في هذا الصراع، سواء عبر الدعم العسكري أو السياسي لفصائل متصارعة، مما أسهم في ترسيخ الانقسام الداخلي وتعميق الشرخ الطائفي. وبدلاً من اتباع نهج الحياد الإيجابي وحماية المصالح الوطنية، تحول الصراع السوري إلى ساحة تصدير للطائفية إلى العراق، حيث استخدمته بعض القوى لتعزيز نفوذها داخليًا على حساب وحدة البلاد.
من المستفيد من تأجيج الطائفية؟
إشعال الفتنة الطائفية ليس مجرد صدفة، بل هو مشروع يُدار بعناية من قبل أطراف عدة، بعضها داخلي يسعى لتعزيز نفوذه السياسي عبر استغلال المشاعر الطائفية، وبعضها خارجي يهدف إلى إبقاء العراق ضعيفاً وممزقاً. لا يمكن أن نغفل دور بعض وسائل الإعلام التي تروّج للخطاب الطائفي، وكذلك بعض القوى السياسية التي تبني شعبيتها على أسس الانقسام بدلاً من البرامج الوطنية. فهل نحن كعراقيين مستعدون لأن نكون وقوداً لهذه الأجندات؟
ما الحل؟ نحو هوية وطنية جامعة
بدلاً من الانجرار وراء دعوات التفرقة، ينبغي أن نركز على تعزيز الهوية الوطنية العراقية التي تتجاوز الانتماءات الطائفية. الإعلام، والتعليم، والقيادات الدينية، والمجتمع المدني، جميعهم يتحملون مسؤولية نشر ثقافة المواطنة بدلاً من التقوقع في إطار الطائفة أو المذهب.
العراق اليوم بحاجة إلى خطاب وطني جامع يركز على القضايا المصيرية مثل الاقتصاد، والبنية التحتية، والخدمات العامة، بدلاً من الغرق في صراعات عقائدية عقيمة لا تخدم سوى أعداء البلد.
الخاتمة: هل نتعلم من الماضي؟
لقد أثبتت التجربة أن الطائفية لم تكن يوماً حلاً، بل كانت دائماً سبباً للمزيد من الأزمات. العراق بحاجة إلى مشاريع بناء، لا مشاريع اقتتال. فهل نعيد الخطأ نفسه أم نتعلم من الماضي ونختار طريق الوحدة؟