المرأة نصف المجتمع، كلمة يرددها السياسيون، الكثير من المثقفين ورجال الدين، الإعلاميون، حتى النساء منهن، كمسَلمة وحقيقة واقعية في سياق الدفاع عن حقوق المرأة. لكن، أي مجتمع يريد أن يتطور عليه أن يناقش مسَلماته بعيداً عن القداسة والخطوط الحمراء والرموز المتخيلة. فهل المرأة فعلا نصف المجتمع؟
عندما نقول إن المرأة نصف المجتمع، فهذا يعني اختزال وجود المرأة والرجل لمعادلة كمية حسابية عددية بحتة كمحاولة لإظهار أن للمرأة دوراً يشابه دور الرجل ويوازيه. ذلك يعني أن الصفات البايلوجية والاختلافات الفايسلوجية بين الرجل والمرأة هي الحد الفاصل والحاسم في تحديد الأدوار الاجتماعية وتقسيمها بين الرجل والمرأة في المجال الخاص كالبيت والمجال العام كالشارع والعمل في السياسة والمجتمع. هذا الاختزال يوقعنا في معادلة غريبة تجعل من فكرة أن المرأة نصف المجتمع تناقض نفسها والدليل على ذلك أن المرأة مهمشة اجتماعيا، وسياسا واقتصاديا. في السياسة مثلا، المرأة لايمكنها الفوز بمقاعد في البرلمان إلا قليلا أو بالكوتا فقط ومن خلال الأحزاب المهيمنة. أما المناصب المهمة كالوزارات فليس لها حظ إلا القليل وربما تعطى مناصب تشريفية، أي ديكور فقط. هذا ينطبق على وجود المرأة في سوق العمل وتقاسم الأدوار في الأعمال التي هي حكراً على الرجل، كالعمل كسائق تكسي مثلاً، أو العمل كممرض بالنسبة للنساء. إذا قلنا أن المرأة نصف المجتمع فلماذا لانجد المرأة بنفس العدد في كل مكان يوجد فيه الرجل؟ والعكس هو الصحيح. إذن، حقيقة أن المرأة هي نصف المجتمع تناقض نفسها إذا أستخدمنا الفهم الكمي والعددي للنوع الاجتماعي (الجندر). ولكن، ماذا لو أستخدمنا الفهم النوعي في تقاسم الأدوار بين الرجل والمرأة؟
الفهم النوعي يقسم المجتمع ليس لرجل وامرأة بل لهويات اجتماعية، طبقات اجتماعية، أفراد متساوين (مواطنين) وغيرها من التقسيمات. فإذا قلنا أن الشباب مثلا يشكلون شريحة مهمة من المجتمع فالكثير من النساء الشابات سوف يشاركن الرجل هذه الهوية والتقسيم. وإذا قلنا أن الطبقة الوسطى مثلا تشكل شريحة كبيرة ومهمة في المجتمع فستشارك المرأة الرجل بهوية الطبقة الوسطى وتمايزها عن المرأة في الطبقة العليا والدنيا. أما إذا فهمنا المجتمع كأفراد فلا مجال هنا لتقسيم المجتمع لمجموعات بل الكل أفراد متساوين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن جنسهم دينهم طبقتهم عمرهم وهكذا وستصبح فكرة أن المرأة نصف المجتمع فكرة مجوفة وفارغة من الداخل. إذن، الفهم النوعي يجعل المرأة قريبة من الرجل في أماكن عديدة منها إلى المرأة التي تشركها نفس الصفات البايلوجية. من هنا علينا أن نفرق بين فكرتين أساسيتين وهما أنثى/أمرأة و ذكر/رجل.
ليس كل أنثى امرأة وليس كل ذكر رجل. الفتاة الصغيرة ليست امرأة رغم إنها أنثى والصبي الصغير ليس رجلاً رغم أنه ذكر. أن تصنيفات أنثى وذكر تعتمد على الإختلاف البايلوجي بين الذكر والأنثى أما المرأة والرجل فهما نوع إجتماعي (جندر) يتعلق بالأدوار الاجتماعية وتقاسمها في المجتمع. التقسيم الأول طبيعي أما الثاني فهو بنائي، أي يتكون من خلال ثقافة المجتمع ويتباين من مجتمع لآخر. فعندما نقول مجتمع ذكوري فهذا يقسم الأدوار بين الرجل والمرأة مع افضلية للرجل في المجتمع وعندما نقول مجتمع أبوي فأن المرأة والرجل تكون تحت سلطة الأب الذكر. هناك الكثير من النساء يفكرن بطريقة ذكورية والكثير من الرجال يفكرون بطريقة أنثوية فالموضوع ليس له علاقة بالصفات البايلوجية بين الرجل والمرأة بل هي ثقافة اجتماعية متوارثة تقسم الأدوار وما أن تتغير حتى تتغير تلك الأدوار. مثلا، تجد الكثير من النساء يقتحمن عمل كان يحتكره الرجال والعكس هو الصحيح في مجتمعات مختلفة. فكرة الرجل والمرأة وأدوارهما الاجتماعية إذن فكرة متغيرة ومتحولة حسب كل مجتمع وبيئة، حسب ذكورية وأنثوية المجتمعات ولا يلعب الإختلاف البايلوجي إلا القليل في ذلك.
من هنا، إذا قلنا بأن المرأة نصف المجتمع كميا وعدديا فإننا ببساطة نختزل المرأة ودورها لكونها أنثى فقط. اختزال دور المرأة بفكرة كونها أنثى سيحتم عليها قبول الأدوار الثانوية وسيجعل من دورها في البيت هو الدور الأساسي باعتبارها صممت بايلوجيا لأن تكون ضعيفة لتخدم لأدوار أقل جهدا وعاطفية لتربي الأطفال وارعى الزوج. أما إذا خرجت للعمل والدراسة فهو (زايد خير) ولابد أن يكون من خلال الرجل فقط، أي لابد من إذنه ومباركته إذا أخذ هذا الفهم طابعا دينيا. فكرة المرأة نصف المجتمع هي خدعة ترددها المرأة نفسها في إعادة أنتاج تهميشها اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. المرأة ليست نصف المجتمع بل هي جزء لاينفصل عن المجتمع في كل مفاصله من هويات وشرائح وطبقات وأفراد، أي مندمجة فيه وليست منفصلة عنه. أعرف أن كلامي هذا سيزعج الكثيرين، بالخصوص المحافظين والتقليدين، ولكن هذه حقيقة سنتعامل معها شئنا أم أبينا في المستقبل القريب مثل باقي المجتمعات الشرق أوسطية التي مرت بنفس الظروف فقد رفضت الفكرة في البداية لكنها بدأت تتعامل معها مع تأسيس الدولة الحديثة التي تتعامل مع المواطنين كأفراد وليس كمجموعات، أفراد متساويين في الحقوق والواجبات وهذا ما نص عليه الدستور.