صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

هل انتصرنا على داعش؟

لكي تتأكد من النصر عليك أولاً أن تتأكد من نسف أهداف الخصم وقطع الطريق بينها وبين الواقع، ثم رميها في مزبلة الوهم، ذلك لأن النصر في الحرب لا بعدد قتلى العدو بل بقدر تماسكك وحفاظك على بيتك.

من هذا المنطلق علينا أن نناقش ما مر به العراق وسورية طيلة الحرب مع داعش وأثر تلك الحرب على البلدين.

في العراق هدمت المدارس لكن الرأي العام انشغل بمنارة الحدباء أكثر من انشغاله بتمثال ابي تمام بل عدم انشغاله بجريمة كونية مثل مجزرة سبايكر، ثم صرنا نرى من عمل في التدريس تحت سلطة داعش في المدن السبية عاد ليعمل بوظيفته في التدريس في عراق يفترض انه عراق مابعد داعش، وسبب هذا هو إنهيار المؤسسات، فلقد انهارت مؤسسات الدولة وصارت بيد الدواعش والانفصاليين ودعاة التقسيم، وغابت الصناعة والزراعة وكل مؤسسات الدولة أصيبت بالشلل بل أن بعض المتآمرين مع داعش اسهموا في تحطيم تلك المؤسسات نكاية بالحكومة وكأنها مؤسسات حكومة لا مؤسسات دولة، ولقد استمر الحال حتى ما بعد داعش حيث فضل البعض نزعة المناطقية على قيمة الوطن الواحد الموحد.

هذا الأمر جرى في العراق ومازال بعض الساسة ينتفعون من تأسيس هذه الثقافة التي هي من مخلفات الفكر الداعشي العفن. ولأن الذي يعترض يصطدم بشعارات المصالحة فضلا عن غياب الحرص الأمني في تمحيص الناس بعد ثلاثة أعوام من عملهم مع داعش أو تحت سلطة داعش. والغريب أن بعض الساسة الداعمين لداعش شق طريقه إلى البرلمان بسهولة، اعتمادا على قاعدة عريضة من الأفكار التي هيمنت على وعي المدن الأسيرة لثلاثة أعوام.

هذا ما جرى في العراق، وفي حسابات النصر والهزيمة فإن خرقا أمنيا هو أن يتسلل بعض الداعمين لداعش إلى سدة السلطة التشريعية.

صحيح ان الهزيمة العسكرية لداعش مهمة جدا وكسرت ظهر حلمها في تحقيق وجودها لكن بقية التفاصيل مازالت معطلة لدينا. اما في سورية التي تمثل النصف الثاني من الدولة الوهم التي تريدها داعش (دولة العراق والشام)، فالأمر مختلف تماما، ولقد زرت سورية ودخلت باب توما وهي حارة يسكنها أغلبية مسيحية، وكانوا حتى في أيام تواجدي هناك يتعرضون لقصف شبه يومي، لكنهم ملتصقون بالوطن ومتجذرون، وهم يدركون أن المؤامرة على كل شيء سوري وان هؤلاء الأوباش لو هيمنوا على سورية لا سمح الله لحولوا بلاد الياسمين إلى صحراء ولحية. اقول هذا واشعر بمرارة إبادة الايزيدين في سنجار وهجرة المسيحيين الجماعية.

في سورية صارت العملة السورية ثلاثة أضعاف العملة العراقية قياسا بالدولار، ولا شك أن سرّا ما وراء هذا، ولعل من بين الاسرار أن سورية تشترط على زائرها السفر إليها بالطيران السوري حصرا، وهذا يعزز من قيمة عملتها، ولعل أغرب ما في الأمر هو أن الدواء الموجود في سورية كله سوري الصناعة، ويبدو أن المؤسسة السورية لم تكتف بعدم الانهيار بل سعت إلى التطوير لتحقيق الاكتفاء، فلقد التقيت صديقا مصابا بانسداد الشرايين وسألته عن الأسبرين فأجابني عن دواء بديل سوري الصنع، اقول هذا وانا أشعر بالمرارة لأني أتذكر معمل أدوية سامراء، واشعر بمرارة مضاعفة في شهر رمضان وانا اجد التمر المستورد ونحن بلد النخيل والغريب أن لدينا خضروات مستوردة من اليمن فهل اليمن أكثر امانا منا؟

هذا غيض من فيض، قلته لكي نتأكد من النصر على داعش، أو نكمل إجراءات النصر وأهمها إحباط المشروع الداعشي في العزف على تفكيك المجتمع، واعادة الروح والثقة بالمنتوج الوطني العراقي. فالحرب لم تنته ولن تنتهي مالم ينتصر الوعي العراقي والتعليم والثقافة، وينتصر كل ما هو وطني أصيل.

أقرأ أيضا