صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

هل ترقى تظاهرات العراق الى “ثورة”

تستعد الجماهير العراقية يوم غد الجمعة، للخروج بتظاهرات عارمة في مختلف المحافظات وخاصة في العاصمة بغداد، مواصلةً تظاهراتها السابقة في الأول من تشرين الأول أكتوبر الحالي، والتي جوبهت بقمع غير مسبوق راح ضحيته نحو 150 شهيدا، وآلاف الجرحى.

ولأن هذه التظاهرات غير تقليدية كسابقاتها (2011 و2015 و2017) من حيث الظروف الموضوعية، فإنها قد تصبح ثورة عظيمة، وتتحول مآلاتها الى مصدر إلهام للمنطقة أو للأجيال اللاحقة، بشروط سنتطرق اليها لاحقا.

بماذا تختلف التظاهرات الأخيرة:
1-    عفوية شعبية نقية وواسعة رغم كل الاتهامات التي ألصقها بها زعماء سياسيون.
2-    وطنية جامعة وليست دينية أو مذهبية أو قومية.
3-    كسرها علناً كل محرمات (تابوات) الدين والسياسة لأول مرة بعد 2003.
4-    شبابية ينشط فيها أبناء الـ(16- 25) عاما ممن لا يحملون عقد حزب البعث والنظام السابق أو عقد النزاعات الطائفية.
5-    إظهارها صمودا أذهل المراقبين أمام آلة الرعب الحكومية، وزخما غير عادي للاستمرار.
6-    نجاحها بإحراج الحكومة الى حد تفكير الكتل السياسية التي تقف وراءها باقالتها، وهي سابقة أولى في تاريخ العراق الحديث، على الرغم من أن ذلك لا يمثل منتهى طموح المتظاهرين.
7-    تجاوزها المطالب التقليدية (عمل، خدمات) الى التعديل الدستوري والتغيير الجوهري في شكل العملية السياسية المترنحة.

لماذا تختلف؟
سر اختلاف هذه التظاهرات هي أنها تقوم (كما أسلفت) على أكتاف شباب ينتمون الى فئة المراهقين، معظمهم ولدوا في بداية القرن الحالي وأواخر القرن المنصرم، وهم جيل لم يتعرف على أساليب الدكتاتورية والخوف منها، وقد يكون هذا هو سر التحدي غير المتوقع لآلة الرعب الحكومية التي كان يراد منها كبح أية حركة احتجاجية، وإشعار أفرادها بالخوف، أضف الى ذلك أنه جيل تربى بلا عقد طائفية، فهو لم يعِش فترة الصراع الدموي المذهبي في بغداد أو غيرها من المحافظات، ولا يشعر بضرورة الانتماء لعقيدة سياسية محددة، ويفصل ببراعة بين الإيمان والولاء للأرض ضمن حدود الوطن، وهذا هو معنى الهوية الوطنية الشاملة والحقيقية لكل شعب حي.. هو جيل لم يجد أمامه غير عقد الفقر وانعدام الخدمات وسوء التعليم وفساد ومحاصصة الطبقة السياسية، وهو يشبه الى حد بعيد أجيال لبنان التي تثور هذه الأيام في بيروت والمدن الأخرى ضد مسلّمات الآباء والأجداد ممن كانوا يخضعون لأمراء الحرب.

الى ماذا تهدف؟
صحيح أن المطالب المباشرة لجماهير الحراك، تقتصر في بدايتها على توفير الخدمات وفرص العمل، وتقليص مساحات الفقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أنها تعدت ذلك بكثير، وأن أية إصلاحات قد يقدمها رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في هذا الاتجاه فإنها لم تعد كافية، بل قد تكون حافزا لخروج المزيد من المتظاهرين، كما هو الحال مع تقرير اللجنة الوزارية العليا للتحقيق في الأحداث والذي تسبب بزيادة الغضب، بسبب إغفاله الجهة التي نشرت القناصين الذين قتلوا بدم بارد عشرات المتظاهرين، لذا فان الأهداف المتوخاة من هذه التظاهرات، والمطلوب من الطبقة السياسية الاستجابة لها لإصلاح النظام السياسي هي:

1-    المحاكمة الفورية للمتورطين بقتل المتظاهرين من قبل مجلس القضاء الأعلى.
2-    استقالة الحكومة أو إقالتها وإقالة البرلمان، وفسح المجال لحكومة مؤقتة باشراف أممي تحضر لانتخابات جديدة من دون المشاركة فيها (الانتخابات) لدورة واحدة على الأقل.
3-    إلغاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والقبول بلجنة أممية تشرف على انتخابات جديدة وفقا لقانون انتخابي جديد.
4-    تعديل دستوري يُنهي المحاصصة السياسية لأنها أصل الفساد، وأن اصطدام هذا المطلب بعدم رغبة الأحزاب الكردية، ما هو إلا ذريعة لحكم الأحزاب، لأن وجود إقليم بصلاحيات فيدرالية يكفي لضمان الحقوق الادارية والثقافية للكُرد، وإذا ما كان على تلك الأحزاب التواجد في بغداد، فعليها القبول بشروطها.
5-    منح الشعب حق الانتخاب المباشر لرئيس جمهورية يحظى بصلاحيات محددة، أهمها “حل البرلمان” في حالات خاصة، فهذا الأمر بالاضافة الى منحه فرصة للمستقلين، فانه سيمنع أي حالة انسداد سياسي من الاستمرار لأن من شأنها إصابة الحياة السياسية والادارية بالشلل لأشهر وأعوام طويلة، ما سينعكس سلبا على حياة المواطن. ومن دون سلطة لأحد من خارج البرلمان (يحظى بشرعية) فليس من الوارد أي دعوة لحل البرلمان أو لانتخابات مبكرة.
6-    إلغاء مجالس المحافظات وانتخاب محافظين بشكل مباشر من الشعب، ليتم وضع حد لبيع المناصب ويتحمل كل محافظ المسؤولية كاملة ولا يلقيها على عاتق الأحزاب الأخرى.

حراك أم ثورة؟
يبقى أن نتساءل: هل يمكن لهذا الحراك السلمي أن ينجح في تحقيق أهدافه ويتحول الى ثورة حقيقية تغيّر شكل الدولة لأول مرة في تاريخ العراق؟ الإجابة تتوقف على تمتع الحراك السلمي بما يلي:

1-    المحافظة على نقاء الحراك من هيمنة وتوجيه الجهات السياسية مهما كانت نواياها.
2-    استمرار زخمها وعدم إفراغ الساحات من المتظاهرين أو العودة الى المنازل، إلا بتحقيق المطالب.
3-    تطوير أساليبها من تظاهرات الى اعتصامات فإضرابات.
4-    تشكيل تنسيقيات حقيقية تأخذ على عاتقها تنظيم الحراك بما لا يُخل بالنظام والحركة المرورية، ويضمن عدم حصول احتكاك مع القوات الأمنية.
5-    تحميل الحكومة والأحزاب التي تقف وراءها أي خروق أمنية أو انتهاكات.
تظل كل هذه النقاط في حدود التوقعات والتكهنات لكن عنصر المفاجأة سوف يكون حاسما في استمرار الحراك القادم.
 

أقرأ أيضا