بعد أن قطع الرافضون لتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل شوطا طويلا في حراكهم الفيسبوكي والاحتجاجي عبر منصات التواصل الاجتماعي أو عبر ظهور بعضهم في الفضائيات، لتقديم تبريراتهم بشأن رفض القانون الحالي، لابد لنا كمختصين بالقانون، ومتابعين لموضوع التعديل الإشارة الى نقطة مهمة، وهي أن النقطة المحورية التي يرتكز عليها الرافضون للتعديل، هي أن القانون الجديد، سوف يسمح بزواج القاصرات!! وهذا ما يستدعي رفضا شاملا للقانون، على اعتبار أن زواج القاصر، يعد جريمة اجتماعية وقتلا بطيئا للقاصر ولأحلامها الوردية، التي تسعى لتحقيقها، بعيدا عن الزواج المبكر، ومساوئه.
لكن المشكلة التي لا يريد أحد التطرق إليها أو القبول بها، أن القانون الذي يتقاتلون على بقائه على حاله دون تعديل، يسمح بزواج القاصرات!! نعم القانون رقم 188 لسنة 1959 المعدل، يسمح بزواج الفتاة القاصر التي لم تبلغ سن الرشد بعد والبالغ 18 سنة!!
صحيح أن المادة السابعة من القانون، اشترطت لتمام أهلية الزواج، العقل وبلوغ سن الـ18 سنة، لكن المادة الثامنة، عادت وسمحت لمن هم دون الـ18 سنة من الزواج وبإذن المحكمة، فنصت: إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج، فللقاضي أن يأذن به، إذا ثبت أهليته وقابليته البدنية، بعد موافقة وليه الشرعي… والفقرة الثانية من ذات المادة نصت: للقاضي أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو لذلك، ويشترط لإعطاء الاذن تحقيق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية..
وهذا يعني أن هنالك إمكانية لزواج القاصر التي لم تبلغ سن الرشد، في حال كون لديها القابلية البدنية للزواج، وهنالك حسب تعبير القانون ضرورة قصوى لزواجها، على شرط موافقة وليها. لكن السؤال الذي يثار هنا: ماذا لو أرادت فتاة الزواج وهي بعمر الـ14 سنة أو أقل مع موافقة وليها وامتلاكها القدرة البدنية والعقلية على الزواج؟ القانون وحسب هذه الفقرة لا يسمح لها بعقد الزواج هذا، وعليها الانتظار لحين بلوغها الـ15 من العمر حتى يمكنها أخذ موافقة القاضي على ذلك الزواج!
ولكن: من لا يريد الانتظار لحين بلوغ الخامسة عشرة من العمر، ماذا يفعل؟ دون أن يستشير محاميا، سوف يطالع نص المادة 10 ف5 التي تنص: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة، أو بغرامة.. كل رجل عقد زواجه خارج المحكمة…هذا هو الحل، حيث سيقوم الخطيب أو الزواج بعقد زواج أمام رجل دين مأذون شرعا، بعد ذلك يطلب من المحكمة تصديق ذلك الزواج، والمحكمة هنا، ستعاقبه بالغرامة، والبالغة في أغلب الأحيان 250 ألف دينار! وحتى لو كانت الزوجة بعمر الـ 10 سنوات أو 11 سنة، لا فرق، سيتم تصديق عقد زواجها!
فالفرق أذا بين القانون الحالي والتعديل، أن القانون الحالي يعاقب الزوج بالغرامة في حال زواجه خارج المحكمة، بينما التعديل الجديد، لا يعاقب الزوج، لأن التعديل، أباح الزواج خارج المحكمة بعدما اعتبره القانون الحالي جريمة!
سؤال آخر: هل إن الزواج المبكر، يتماهى مع القانون أم مع العرف؟ فلو عرفنا أن القانون يعاقب من يتزوج خارج المحكمة، فهل سيمتنع المجتمع عن هكذا زواج؟ ما نشاهده يوميا في المحاكم من دعاوى تصديق الزواج الخارجي، يشير الى أن القانون لم يمنع من الزواج خارج المحكمة، ولم يمنع زواج القاصرات، لأن هنالك الكثير من حالات الطلاق، تتم بسبب الزواج المبكر، وقلة وعي الزوجة أو الزوج، نتيجة لصغر سنهما. مما يعني بالنتيجة أن الزواج المبكر هو مسألة اجتماعية يتعلق بوعي المجتمع والأفراد، فمهما زاد وعي الناس، وثقافتهم، كلما قل الزواج المبكر، لهذا نجد أن أغلب حالات الزواج المبكر، تكون في الأرياف والمدن الفقيرة والعشوائية، التي يقل فيها مستوى التعليم، ويكثر التسرب من المدارس، في حين تقل في المدن، حيث إن أغلب العوائل في المدينة، تنتظر الابنة حتى تنهي تعليمها، والولد كذلك، لا يتزوج إلا بعد أن يحصل على عمل أو وظيفة.
إن كلامنا لا يعني أننا مع أو ضد التعديل، بل هو الإشارة الى حقيقة قانونية موجودة، لكن لم يتحدث بها أحد.