صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

هل تنحني إيران امام العاصفة الترامبية؟

كل الدلائل تشير الى تراجع ملحوظ ومتوقع في لهجة التشدد الايراني، ازاء المطالب الامريكية شكلا ومضمونا، والليونة الايرانية امر مفروغ منها لجدية المواجهة المتوقعة، المصحوبة بالتذمر الداخلي، وإنهيار خطوط دفاع المحور الايراني في المنطقة، خاصة في لبنان وسوريا، واللتجربة السابقة مع ادارة ترامب الاولى وقعها الحي، حيث مازالت آثارها عالقة في ذهن صاحب القرار الايراني، وتحديدا قرار انسحاب امريكا من الاتفاقية متعددة الاطراف حول ملفها النووي، وعملية اغتيال القائد الابرز لفيلق القدس، قاسم سليماني، مع مجموعة من مرافقيه بعملية مباغتة في بغداد، اضافة الى تكثيف للعقوبات الاقتصادية القاسية، وهنا لا تخفي ادارة ترامب الثانية عزمها على استكمال نهجها الداعي لتفكيك برنامج ايران النووي، وانتقادها لادارة بايدن لتساهلها مع التحديات الايرانية، فقد انذر ترامب ايران مجددا عبر رسائل متعددة من مغبة المماطلة في التفاوض ليس لترتيبات ايقاف برامج التسلح الايراني، وعلى رأسها البرنامجين النووي والصاروخي فقط، وإنما اشتراط صفقة “السلة الواحدة” التي تحوي على تشكيلة متنوعة من المطالب غير المباشرة كحل فيلق القدس وايقاف الدعم العسكري للجماعات المناوئة لاسرائيل وتحديدا الحوثيين، إضافة لديباجة احترام حقوق الانسان والاقليات، مقابل رفع العقوبات وتطبيع العلاقات بما فيها الاستثمارية مع امريكا، ويبدو ان عصا ترامب اغلظ من جزرته، فصقور ادارته المتحمسين للنيل من ايران بالتزامن مع توسيع إسرائيل لدائرة مواجهتها مع اعداء التطبيع معها في المنطقة والممانعين لمشروع تصفية المشكلة الفلسطينية، يجدون ان الوقت مناسب جدا لقلع أظفار ايران بضربة عسكرية قاصمة وخاطفة بالتعاون مع اسرائيل، لعدم منح ايران مزيدا من الوقت الذي يجعلها تتجاوز العتبة النووية، ويبدو ان ترامب نفسه يرغب بتجريب الضغوط القصوى كمقدمة لتفادي الاعراض الجانبية المكلفة، والتي ربما تشتت تركيزه على الصفقات الكبرى المنتظرة، لكنه لا يستبعد خيار الحسم السريع في حالة فشل الحرب الناعمة في تحقيق المراد، خاصة وان لإخضاع ايران مردودات جيوسياسية متعلقة بالصين وروسيا والخليج!

من مسقط إلى روما الى.. لف ودوران!

من الواضح ان ايران تصرعلى مفاوضات غير مباشرة لتفادي التصادم المباشر مع السعي الامريكي الداعي لغلق الملف النووي بتفكيكه، وبالتالي الفشل الفاضح، فهي تريدها على نار هادئة وبلا تفرد، لذلك تحاول خلق اجواء للتشارك والتوسط كعوامل مساعدة لتنقية الاجواء المشحونة، ومن هنا تأتي دعوات عراقجي من موسكو للمساعدة في التوسط لتركيز المطالب بموضوعة نسب التخصيب ومصير المخزونات عالية التخصيب والرقابة والتفتيش التي تُفعل بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن دون اقحام موضوعات ليست لها علاقة بالبحث في الملف النووي، على عكس ادارة ترامب التي تريدها على نار ساخنة ولآجل مسمى ومتكاملة، فالنفس قصير عند ادارة ترامب، على عكس حائك القرار الايراني الذي يريده مقبولا شكلا ومضمونا، وببروزة تحفظ إستدامته، لذلك تريد ايران ضمانات امريكية في عدم الانسحاب من اي اتفاق يجري ابرامه بين الطرفين، في الاثناء يطالب ماركو روبيو وزير الخارجية الامريكي الدول الاوروربية بتشديد العقوبات على ايران لدفعها للقبول بالشروط الامريكية، وذلك بعد ان اعلنت الخزانة الامريكية عن حزمة جديدة من العقوبات على كيانات وشخصيات ايرانية! 

حمائم وصقور دولة ولاية الفقيه!

من اقوال الامام الخميني المأثورة “اذا رضت عنك امريكا فعليك ان تراجع نفسك” والخميني هنا لا يمثل القدوة في تعظيم المباديء على حساب المصالح مهما عظمت، فقط وانما يجسد بالممارسة استمرار طور الثورة بمعانيها العابرة للحدود الخاصة لما هو أعم واشمل، حتى لو تعارضت مع طورالدولة التي افرزتها الثورة ذاتها، ومن هنا يأتي فرز واستقطاب ما يسمى بالمشددين والاصلاحيين، او المؤدلجين والبرغماتيين، فعندما توصد الابواب بوجه تصدير الثورة وبالتالي إدامتها، تتحول الى دولة وفي هذا التحول تكمن تناقضات المصلح الدائمة والمؤقتة والثابتة والمتحركة، ونجد الخميني ذاته قد وقع في هذا التناقض عندما وافق على قرار مجلس الامن الداعي لايقاف اطلاق النار بين العراق وايران والذي وافق عليه العراق قبل نحو ثمان سنوات، وقال الخميني وقتها “تبا لي الذي بقيت حتى هذه اللحظة وشربت كأس السم بقبول القرار، واني اشعر بالخجل امام عظمة وتضحيات هذا الشعب العظيم”، ازدواجية الدولة والثورة مازالت تتحكم بمزاج الحكم الايراني، فالمرشد الخامنئي يزاوج بين المزاجين لكنه في النهاية سيترجل لمصلحة الدولة بتقية الثورة وهو وان كان متشددا لكنه بالنتيجة سيجنح للبرغماتية وان على مضض، اما رجال الدولة فهم برغماتيون بمستويات متباينة، ففريق الرئيس مسعود بزشكيان بمن فيهم عراقجي وجواد ظريف هم من النوع البرغماتي عالي الجودة لكنه يبقى محاصرا بفتاوى المرشد التي توازن بين الحالتين، وعليه فالتراجع مبرر في كلا الحالتين حفاظا على سلامة الدولة التي تخشى من ثورة تناقضاتها!

التراجع الايراني سمة المرحلة!

امام الغطرسة والقوة الامريكية الغاشمة، متمثلة بترامب وادارته، اما الدفاع عن الحقوق المشروعة بالمقاومة الناضجة المستندة لارادة الشعب، او المهادنة! 

 تجاوزت ايران مرحلة الرومانسية الثورية، وهي تعيش حالة من الصدمة الواقعية التي برزت فيها كل عيوب التجربة، وبزمن قياسي، لم يسعفه تصدير شحناتها خارج الحدود، ولا ادوار المقارعة لإعادة صياغة موازين القوى في المنطقة، فالصعود كان دوما مرتبط بتصيد الفراغات ومن ثم الاستثمار بها كمتاريس وخطوط دفاع متقدمة لتمدد نفوذها القومي بصيغته الطائفية، حتى لو تعارضت مآلاته مع نهجها المعلن في مناطحة الشيطان الاكبر والاصغر “امريكا واسرائيل” وما المواقف المتخادمة مع الامريكان في احتلال افغانستان والعراق إلا عينات، والهبوط في تحقيق تطلعات اكثرية فئات الشعب الايراني في الحياة الحرة الكريمة الخالية من التعسف والملاحقات والفساد والاستبداد والتي من اجلها نزلت الجموع الايرانية الشوارع للاطاحة بنظام الشاه المقبور، يؤشر على الواقع التراجيدي لحلم الثورة لمصلحة الدولة النخبوية التي لا هم لها سوى البقاء وبأي ثمن كان! 

أقرأ أيضا