تتعمق الخلافات بين الحين والآخر بين فصائل الحشد الشعبي حول الكثير من المسائل، خصوصا بعد مقتل قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في الغارة الامريكية التي تصر بعض فصائل الحشد على اتهام رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالتورط فيها، فيما تدور شكوك حول ارتباط تلك الخلافات بمصالح خاصة، ولكن اخر خلاف تمظهر بمظهر المرجعيات الدينية، فبعض الفصائل اختارت مرجعية المرجع الأعلى في النجف علي السيستاني وأخرى مرجعية المرشد الايراني الأعلى علي خامنئي، حتى أن هذه الأخيرة أو ما تسمى بفصائل الحشد الولائي، اتهمت الاولى (حشد المرجعية) بالانشقاق الذي تقف خلفه بعض الجهات السياسية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا.
مع ازدياد حدة الخلاف بينها أبدت الحكومة العراقية السابقة قدرتها على استيعاب حشد المرجعية ضمن صفوف الجيش العراقي، لكن الحشد الولائي سيواجه المزيد من المشاكل والتفكك بسبب فقدان الشرعية التي اكتسبتها في مرحلة التأسيس من فتوى السيستاني، بالاضافة الى تقليص موازنة هيئة حشد الشعبي ومواردها المادية، فضلا عن تأثير الحصار الأمريكي على إيران وانعكاس ذلك على تمويل بعض الفصائل.
المشكلة الأكثر تعقيدا هي أن الحشد الولائي يضم تشكيلات وأفرادا لا ينخرطون في صفوف هيئة الحشد الشعبي المؤسسة الرسمية التابعة للحكومة العراقية، وإنما يستمدون شرعيتهم من اتباع وزلي الفقيه والجمهورية الاسلامية الايرانية ويعملون تحت لافتة “المقاومة”، الأمر الذي يجعل الحكومة أمام اختبار حقيقي في تنفيذ برنامجها الذي يتضمن حصر السلاح بيد الدولة، كونه أحد مطالب المتظاهرين الذين خرجوا مطلع تشرين الأول 2019 للمطالبة ببناء الدولة.
إن انتفاضة تشرين إذا عادت بنفس الزخم الذي ظهرت عليه مرة أخرى فسيكون عامل ضغط كبير لإنهاء هذا النوع من التشكيلات التي باتت تحرج الدولة في بعض ممارساتها، وقد بدأت بوادر ذلك من البصرة حين تم إغلاق ومصادرة مقر حركة ثأر الله بسبب استخدام عناصرها الرصاص الحي لمواجهة المتظاهرين.
يظل الأمر مرهونا باستعداد ايران بالتخلي عن تلك التشكيلات العسكرية في ظل سياستها البراغماتية الناجحة، مع تزايد الضغوط الامريكية، كما بدأت بالفعل من خلال استجابتها لبعض الشروط، لولا توقف الصراع والمفاوضات بينهما جراء انتشار وباء كورونا، إلا أن عودة الأمور الى مجاريها وتحسن أسعار النفط وتحريك الاقتصاد العالمي، قد يشكل بداية ثانية للصراع بينهما، لكن ذلك سيكون مرتبطا بما ستؤول اليه الأمور في الولايات المتحدة الامريكية من تطورات، سواء بما يتعلق في الانتخابات الرئاسية وحسم حظوظ الرئيس الحالي دونالد ترامب بولاية ثانية، أو فيما يتعلق ببقاء واشنطن في المستقبل القريب كأقوى عاصمة في العالم دون منافس، وهذا ما لا يمكن البت به في ظل نجاح بكين بالقضاء على فايروس كورونا في وقت قياسي، وإبراز قدراتها التكنولوجية والاقتصادية الفريدة والفائقة، وهذا ما قد يمكن الأخيرة لو حصل من فرض نفسها كقوة عظمى منافسة، فيما ستشهد الدول ولادة نظام عالمي جديد تختفي أو تظهر معه دول وأنظمة مختلفة.