اعتدنا بعد العام 2003 على ما يمكن أن نطلق عليه “حكومات اللعن” والتي تعني أن كل حكومة جديدة تأتي تلعن سابقاتها وتجعلها شماعة لاخفاقها في ادارة الدولة، ولا أدري هل ستكون حكومة السيد السوداني من حكومات اللعن أيضاً أم أنها ستتحمل المسؤولية وتعمل على معالجة الخلل البنيوي في الدولة العراقية؟
لا شك أن التحديات خطيرة وكبيرة والمهمة صعبة للغاية والتوافقية حاضرة بقوة في هذه الحكومة أضف الى ذلك المصالح الخاصة للأطراف المتفقة على تشكيلها، لذا لا أعرف مصدر الثقة التي يتحدث بها السيد السوداني عن النجاح في المهمة، ورغم ان هذه الثقة مطلوبة بالتأكيد لكنها غير كافية بمفردها، اذ لا بد له من حسابات منطقية وموضوعية لكل صغيرة وكبيرة، ولأجل أن يتجاوز الاختبار الصعب الذي أمامه عليه أن يأخذ بالحسبان الكثير من الأمور، وأهمها الآتي:
1. مراعاة موقف السيد مقتدى الصدر الذي اختار أن يكون هو وتياره الكبير مراقبا في المعارضة الشعبية التي سيكون خيارها الأول النزول الى الشارع في حال أخفقت الحكومة الجديدة بادارة البلد بالشكل الذي يتطلع له الجمهور العراقي.
2. التعامل بحذر مع بعض الشركاء السياسيين الذين يحاولون الاستحواذ على مقدرات الدولة والتحكم بمؤسساتها حسب أهوائهم ومشتهياتهم، وهو ما كان سبباً رئيسياً في نقمة الشارع العراقي على العملية السياسية والاعتقاد بفشلها في ادارة الدولة.
3. فتح قنوات حوار مع شباب تشرين وزجهم بمواقع المسؤولية وإشراكهم في صياغة وتنفيذ البرنامج الحكومي، لاثبات جدية الحكومة بمراعاة طموح الشباب في خلق نمط جديد لادارة الدولة.
4. مراعاة هواجس المجتمعين الاقليمي والدولي من احتمال انحياز العراق الى محور على حساب محور آخر، إذ تعتقد بعض تلك الاطراف أن بعض قوى الاطار التنسيقي المسؤول عن تشكيل الحكومة تميل الى ايران على حساب الأطراف الاقليمية الأخرى.
5. الحفاظ على الدور المحوري الذي أداه العراق في تقريب وجهات النظر الإقليمية، فعلى الرغم من اعتراض البعض على اداء حكومة السيد الكاظمي الا أنها نجحت في تأسيس علاقات جيدة اقليمياً ودولياً، وخلق مناخ يحتكم للحوار في معالجة تلك المشاكل.
6. العمل الجاد على معالجة الانقسامات المجتمعية الحادة التي تعيشها الساحة العراقية، والتي نتجب عن فشل المنظومة السياسية في خلق رأي عام داعم للدولة، لا سيما بعد أحداث تشرين 2019 وما رافقها من بروز اتجاهات مجتمعية متقاطعة بشأن العملية السياسية في العراق.
هذه الأمور وغيرها تمثل أولويات رئيسية في المرحلة المقبلة، واذا ما وضعها السيد السوداني في حساباته ونجح في إدارتها فإنه سيؤسس لمشروع سياسي وطني جديد عنوانه ترميم الثقة بالعملية السياسية على المستويين المحلي والدولي، ولعل الجميع يتفق على أن هذه الحكومة تمثّل محطّة مهمة لقوى الاطار التنسيقي التي فقدت الكثير من جمهورها خلال السنوات الأخيرة، لذا فهي مطالبة بالدرجة الأساس ببذل كل ما بوسعها من أجل نجاح الحكومة الجديدة التي سيحدد أداؤها المستقبل السياسي للقوى المنضوية تحت عنوان الاطار التنسيقي، لا سيما أن السيد السوداني أعلن ولأكثر من مرة أنه سيتحمل مسؤولية اداء حكومته بشكل كامل.