صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

هل فقدت أوروبا قوتها؟

لا شك أن تأثير أوروبا المعاصرة “الاتحاد الأوروبي” دوليا، يكمن عبر عضوية فرنسا في مجلس الامن الدولي، فضلا عن تأثيرها الكبير في الأمم المتحدة، لكن هذه المكانة لا تعتبر كافية لتشكيل قوة أو سلطة موازية لقوة أمريكا والصين وروسيا.

وعلى الجانب الاقتصادي الذي يعتمد على قوة العملة النقدية والقوة البشرية، يعد “اليورو” ثاني أكبر العملات من حيث القيمة الاسميّة تداولا في العالم بعد الدولار الأمريكي، فيما يبلغ التعداد السكاني بعد خروج بريطانيا نحو 450 مليون نسمة بحسب تقديرات عام 2022 وبذلك تكون ثالث مجموعة بشرية بعد الصين والهند وهو ما يجعلها متفوقة على الولايات المتحدة الامريكية.

أما عسكريا فبالمقارنة مع بقية أعضاء مجلس الامن الدولي يصنف الجيش الفرنسي في المرتبة السابعة عالميا رغم أنه الأقوى بين دول الاتحاد الأوروبي، وحتى مع إدراج الجيوش الألمانية والإيطالية والتشيكية وغيرها لا تصل جميعها الى قوة روسيا والصين والولايات المتحدة.

الدبلوماسية: السلاح الأقوى

بعد ثمانيات من القرن الماضي بدأت تتميز دول الاتحاد الأوروبي بالدبلوماسية الناجحة التي ساعدتها على انهاء مشاكلها وازمتها الداخلية والدولية وحققت نجاحات كبيرة، حيث بدأت بالاعتراف علنا بالجرائم التي ارتكبتها في زمن الاحتلالات للدول في افريقيا ودول الشرق الأوسط وغيرها للتكفير عن الأخطاء السابقة الذي جعل لها حضورا وميزة تختلف عن الأعضاء الاخرين في مجلس الامن الدولي، إضافة الى مواصلة دعمها للمشاريع الديمقراطية والحريات والدفاع عن حقوق الانسان. بل أصبحت هذه المبادئ جزءا من قيم دول “الاتحاد الأوروبي” الأساسية وشرطا للتعاطي الدبلوماسي وتحقيق العلاقات الدبلوماسية الدولية. وتمكنت من انشاء منظمات دولية تدافع عن تلك القيم في الدول، ونشاط تلك المنظمات المدعومة منها حقق لها قوة في الضغط على الدول الدكتاتورية والعسكرية بالإشارة الى أهمية تأثير منظمة العفو الدولي ومراسلون بلا حدود وغيرها من المنظمات.

لكن ظهور الإرهاب في أوروبا وضعها في تحدِ كبير، فهي لا تشعر بالأمان، رغم التحالف الاستراتيجي التاريخي مع الولايات المتحدة لها من خلال “الناتو” حلف الشمال الأطلسي، أو قمة المناخ.

إن شعور أوروبا المعاصرة بتوغل الراديكالية الإسلامية في العمق الأوروبي امر مقلق لها للغاية، بل اربك علاقاتها الدبلوماسية، وهذا ما ظهر مؤخرا من خلال تداعيات حادثتي باريس ونيس في عامي 2020 و2021، حيث تحول بعدها خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون الى أزمة كبيرة أوصلت بالأمر الى خروج احتجاجات كبرى في دول عديدة ضد سفارات فرنسا تنديدا بهذا الخطاب، لكن ذلك في المقابل أكسب أوروبا خبرة في التعاطي مع قضايا الإرهاب وتداركها سريعاً.

أزمة أوكرانيا

رغم نجاحها في التغلب على تداعيات الازمة الاقتصادية بسبب الاغلاق العام بفعل وباء كورونا جاءت ازمة أوكرانيا مؤخرا لتظهر عدم امتلاك دول الاتحاد الأوروبي أي سلطة موازية للصين وروسيا والولايات المتحدة التي تتزعم حلف الناتو، بل بدأت تشعر بخيبة امل كبيرة لفقدانها أي مكانة في المفاوضات بين الروس والامريكان، لهذا بدأت تفكر بشكل جاد بتأسيس “الجيش الأوروبي” للتدخل السريع والذي يهدف الى حماية ما تبقى من أوروبا بعد ما اعتبرته طعنا بالظهر من قبل بريطانيا التي تركت فرنسا وألمانيا في الصدارة في مواجهة روسيا والصين والابتزاز الأمريكي لأوروبا، لهذا فان “أوروبا المعاصرة” تتعاطى بدبلوماسية عشوائية أفقدتها توازنها العالمي لأنها لازلت تعتمد على سياسة المنطقة الرمادية من الصراع بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، في ظل إدارة بايدن التي وضعت دول الاتحاد الأوروبي أمام ضرورة ان تختار بين الاستمرار في تحالف الناتو او الخروج منه مطلقاً.

ولا يتوقف الامر على أوكرانيا وانما تعداه، فالاتحاد الأوروبي بدأ يفقد الامل باكتساب التأثير عالميا بعد فشل الدبلوماسية المتكرر في حلحلة “ازمة أوكرانيا” التي ستجبر دول الاتحاد على البحث عن بديل للغاز الروسي، ولكنه لن يتحقق الا بشروط أمريكية .

أقرأ أيضا