صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

هل فيهم من يعرف الله؟

في طرفة وصلتني من صديق, يحكى أن رجلا يرتدي جلبابا أبيض دخل على مصلين يجتمعون حول إمامهم وفي يده سكين حاد, فصاح بصوت عالي, هل فيكم من يعرف الله؟ ذعر المصلون ودب الفزع بينهم و صمت الجميع, إلا شيخا طاعنا في السن لم يجد بدا من مواجهة الموقف لاسيما وأنه لم يبق لحياته شيء فأجابه نعم أنا أعرف الله, فأخذه الرجل من يده وخرج به ثم عاد بعد دقائق ومازال السكين في يده وعلى جلبابه الأبيض بقع دماء, ازداد الصمت والوجوم وكأن الساعة قد دنت وحان الأجل, كرر سؤاله موجها إياه للإمام, فأجاب الإمام: أنا لا أعرف الله ولا علاقة لي به لا من قريب ولا من بعيد، لكن هؤلاء الملاعين ورطوني ونصبوني إماما عليهم, لكن لماذا تريد أن تذبحني؟ فضحك الرجل ملأ شدقيه وأجابه أنا لا أريد أن أذبح أحدا إنما علي نذر وأحضرت خروفا لذبحه ولا أعرف طريقة الذبح الشرعي, فقصدت الجامع لأبحث عمن يعرف الله لذبحه كي أوزعه على المصلين, فذبحه الشيخ المسن لكنه لا يقوى على تعليقه لسلخه وتقطيعه فعدت لأطلب المساعدة منكم.

عندما اجتاح وباء كورونا دول العالم تسبب بشل الحياة بالكامل فعطل كل الأعمال والمصالح وسبب كسادا اقتصاديا لا سابق له لكن معظم الدول وخصوصا المتقدمة منها وضعت خططا رصينة لتفادي هذه الأزمة فدعمت مواطنيها ماديا وصحيا وأوقفت الضرائب عن الشركات وتكفلت بدفع رواتب من يعتمد على عمله في تهيئة قوت يومه وأغرقت الأسواق بالسلع والبضائع ووفرت الأدوية وهيأت المستشفيات خصوصا وأنها تمتلك بنى تحتية رصينة ومتطورة ولذلك لم تتأثر شعوبها بالأزمة رغم أن الوباء ضربهم في الصميم.

في بلد محطم ومهدم مثل العراق, يقبع منذ عقد ونصف في أسفل كل قوائم التقييم العالمية, الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية والزراعية والصناعية و…و….الخ رغم أنه مازال يحتل المراكز الأولى في قوائم الفساد وسرقة المال العام والجرائم المالية المنظمة, بلد لا يملك فيه الملايين من أبنائه قوت يومهم, نسب البطالة وصلت إلى مستويات مخيفة, بلد صار حقلا لكل الأمراض الفتاكة في وقت لا تتوفر فيه أدنى الخدمات الصحية, مستشفيات منهارة لا تصلح حتى للحيوانات, أطباء عاجزون عن تهيئة كمامة أو كفوف ليقوا أنفسهم من العدوى, اختفت الأدوية والمستلزمات الطبية من الأسواق بسبب الجشع وموت الضمير وغياب الرقابة والقانون.

حين سقط النظام البائد عام 2003 ظهر الكثير من الانتهازيين ممن عرف اللعبة وأتقنها فختموا الجباه وحملوا السبح وأطلقوا العنان للحاهم وتختموا بالخواتم تعبيرا عن التقوى حتى صار يخيل للبعض من العامة أنهم يعرفون الله أكثر من أنبيائه وأولياءه الصالحين, فاستحوذوا بتلك الإكسسوارات على الفرص الماسية التي لا تتكرر, واستخدموا الدين غطاء لكل مشاريعهم, فتحوا المصارف تحت عنوان المصارف الإسلامية لاستنزاف عملة البلد الصعبة و بنوا المستشفيات الأهلية العملاقة بتبرعات المساكين على حساب المستشفيات الحكومية وأسسوا الجامعات والمدارس بأنواعها ومنحوها أسماء الأئمة والأولياء وسيطروا على عقود الاتصالات والهاتف المحمول فكسبوا من تلك المشاريع مليارات الدولارات وكونوا إمبراطوريات مالية صارت تتحكم بكل مقاليد الأمور, فهل فيهم من تبرع بمبلغ مالي لدعم الواقع الصحي في العراق في ظل هذه الأزمة؟ وهل فيهم من فتح أبواب مستشفياته الأهلية لاستقبال المرضى والمصابين لسد الفجوة الكبيرة في المستشفيات الحكومية؟ وهل فيهم من دعم أصحاب الدخل المحدود بسلة غذاء أو حبة دواء؟ وهل فيهم من عرف الله كما عرفه الغرب سلوكا وتصرفا ومبدأ؟ أم إنهم مثل ذلك الأمام الذي أنكر معرفته بالله بمجرد رؤية السكين؟

أقرأ أيضا