صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

هل ما يجري بالعراق الديمقراطي منطقي؟

بعد التحول الديمقراطي في العراق بعد 2003 وانتهاجه النظام البرلماني الذي ينتج حكومات منتخبة بدلا من الدكتاتورية التي كان يعاني منها إبان فترة صدام حسين وما سبقها، ورغم كل ما يملكه من امكانيات بشرية ومالية إلا أنه تحول الى واحد من أسوأ البلدان للعيش، اذن ماهي الاسباب التي اوصلته الى هذه الدرجة؟ سؤل تكرر طرحه علي من قبل المهتمين الدوليين، وكثيرا ما أشعر بالحرج منه وأحيانا كثيرة أتهرب من الإجابة عنه.

أتذكر سؤالا لطالبة ثانوية في مدرسة بولاية بوسطن عن كيفية التعليم الثانوي في العراق؟ حينها لم أتمكن من ابلاغها أن الكثير من أبنية المدارس في أرقى الأحياء الية للسقوط والطلبة بلا مقاعد ولا مراوح هوائية ولا حتى حمامات، لانها ببساطة لن تصدق.

ما يحصل في العراق الديمقراطي شيء غير منطقي فعلا، بل لا يستوعبه حتى العراقي البسيط، فضلا عن الأجنبي المتابع، وإلا كيف يمكن قبول حديث رئيس الوزراء القائد العام المسلحة بانه غير قادر على حماية نفسه من جماعات خارجة عن القانون رغم أن هذه الجماعات لا تملك غير سلاح خفيف (رشاش كلاشنكوف) وبعض صواريخ من الكاتيوشا في مقابل كل ما يملكه الجيش النظامي والقوات الامنية وجهاز مكافحة الارهاب من طائرات حربية ومعدات عسكرية متطورة وعناصر محترفة في القتال؟.

ليس من المنطق أيضا أن يكشف رئيس برلمان سابق كان يشغل إدارة أعلى سلطة “تشريعية ورقابية” في البلاد، عن بيع وشراء المناصب الوزارية والامنية والرقابية بين احزاب السلطة في بورصة كافتيريا البرلمان، وكيف يمكن لي إقناع المراقب الغربي بهذا السلوك الذي اصبح عرفا ساريا في كل دورة انتخابية؟ وبماذا يمكن تبرير عجز السلطة القضائية عن إصدار أحكام قضائية على المتورطين بارتكاب جرائم بسبب نفوذهم العشائري او الحزبي؟ وكيف لي أن أتحدث عن نظام يدعي الديمقراطية صباحا ومساء، ثم يقوم بحملة إعدام جماعية لمئات الشباب والشابات بتهمة تنظيم تظاهرات سلمية عفوية؟ وهل من المنطق أن يصرح وزير مالية بسرقة ٢٥٠ مليار دولار من ميزانية الدولة؟.

لو كنت مواطنا أمريكيا فاني لن أصدق أن ناشطة ورياضية شابة قتلت رميا بالرصاص بسبب صورة التقطتها مع قنصل بلادي في البصرة؟ أو اتهام صحفي يشارك في حوار مع سفير بلادي في بغداد بالعمالة. ولو كنت كنديا مثلا فكيف لي أن أصدق نظاما ديمقراطيا يسمح بقتل الصحفيين والباحثين والناشطين أمام منازلهم من دون أي كشف للجناة أو الاقدام على أي اجراءات لحمايتهم، لأنهم قاموا بتشخيص علميا ومهنيا اسباب المشاكل الامنية والفساد؟.

ولو كنت خبيرا فنيا من ولاية شيكاغو لما صدقت ان مدينة الزعفرانية جنوبي شرقي بغداد فقدت معاملها ولم يبق فيها غير سوق شعبي اسمه “سوق الهوا” بعدما كانت تسمى بشيكاغو العراق قبل 2003 لكثرة المصانع والشركات فيها، كالصناعات الخفيفة والبلاستيك والتصنيع العسكري ومعامل مشروبات بغداد الغازية؟.

ولو كنت ايطاليا فلن أصدق بأن مسرح بابل “التاريخي” للفنون لا يسمح بتنظيم حفل موسيقي؟ وبأن العراقيين مجبرون على شراء الملابس التركية حصرا، ولو كنت من المحاربين القدامى في بريطانيا كيف لي أن أصدق جفاف البصرة من الماء الصالح للغسل؟ أو خلو “ابو الخصيب” من التمر، ولو كنت فرنسيا لاستبعدت ان تكون جامعة بغداد العريقة بهذه الرداءة التي نراها اليوم؟.

ولو كنت صوماليا سوف لن أصدق أن الموظفين في العراق المعروف بثرواته البترولية والزراعية وغيرها بلا رواتب، لأن أسوأ البلدان معيشة لم تعجز عن تأمين رواتب موظفيها حتى في احلك الظروف سواء الحروب او غيرها.

وبالانتقال الى المواطن الايراني الذي تحظى حكومته بنفوذ كبير في العراق فهل يصدق ان صور زعاماتهم بشوارع العاصمة بغداد اضعاف مدينتي طهران وقم؟ وهل يمكن ان يصدق ايضا ان المستشفى الألماني للآمراض السرطانية في الجادرية وسط بغداد تحول هيكلها الى جامع لحزب إسلامي يحظى بدعم حكومته؟ بل كيف يمكن ان يدرك حقيقة أن اكثر العراقيين حرية لا يتمكن من انتقاد نظامه “ولاية الفقه”؟.

من هنا بات على المجتمع الدولي، فهم شعار (نريد وطن) الذي رفعه شبان وشابات تشرين، ومفاده البحث عن الوطن الذي يحقق ابسط مقومات الحياة الكريمة، وهذا يجعل الضمير الإنساني في عموم العالم أمام مسؤولية كبيرة لمد يد العون لهم وهم بهذا الاحساس الذي لا يختلف عن احساس طفل يسأله أصدقاؤه عن والديه الذين تخليا عنه وتركاه يواجه أعباء الحياة وحيدا، وهؤلاء الشباب ورغم كل هذه الخيبات والنكسات لا زالوا يتحلون بالامل لاقامة دولة ناجحة تزيح الفشل والفساد المقيم منذ سنوات طويلة.

أقرأ أيضا