كحال أغلبية المواطنين العراقيين أو المهتمين بالشأن السياسي في الأقل، تابعت لقاء زعيم التيّار الصدري مقتدى الصدر الذي أجرتهُ إحدى الفضائيات، لمعرفة خبايا ما يدور من تحركات بين الكتل السياسية استعداداً للمرحلة المقبلة والتي ستكون بحسب جميع المعطيات حافلةً بالأحداث على مختلف المستويات، سواء أكانت أمنية أم سياسية، وبخاصة مع انتهاء سنوات (داعش) العِجاف التي أحرقت الحرثَ والنسل، وقد يكون لقاء الصدر فتح الأبواب على الكثير من التساؤلات أبرزها،، شكل الحكومة المقبلة وتواجد الأحزاب الإسلامية والعلاقات مع دول الجوار والمواقف من القرارات الدولية ضد فصائل الحشد الشعبي ومصيره في ظَلِّ تصاعد دعوات إلغاء استقلاليته كمؤسسة ودمجهِ بالوزارات الأمنيّة أو الخدميّة، تلك التساؤلات لخّصَها الصدرُ بأجوبة صريحة قد تثير غضب البعض وانزعاجهم، لكنه عبّر عن وجهة نظر شخصية تُعد من أكبر الزعامات الإسلاميّة الشيعيّة في العراق، وهو ما يجعلها أقرب للحقيقة من غيرها.
تلك التصريحات التي أشعل فتيلها الصدر، وبخاصة فيما يتعلق بفشل الأحزاب الإسلاميّة في إدارة البلاد، تجعلنا أمام واقع جديد قد يشهد عمليّةَ لتغيير الوجوه السياسيّة لأول مرّة منذ 2003، وبخاصة إنَّ الصدر كان خلال السنوات الماضيّة بيضة القبّان في حسم التنافس على رئاسة الحكومة، وهذا لا يستطيع أحدٌ نكرانه، فالشواهد كثيرةٌ، ومنها تأييدهُ لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي في حصوله على ولاية ثانية في انتخابات 2010، وإبعاده عن المنصب حينما تخلّى عنه، فالقاعدةُ الجماهيريّة التي يتمتع بها وريثُ السيد محمّد الصدر، ساهمت بطريقة وأخرى بتحديد من يصل إلى كرسي رئاسة الوزراء، على الرغم من مبدأ التوافق الذي يعيش أيامهُ الأخيرة، فالمواقفَ التي كشف عنها زعيمُ التيار الصدري، أحرجت جميع الكتل السياسيّة التي تسعى لعدم كشف أوراقها في الوقت الحاضر، لكنهُ في الوقت ذاته، جعل أحزاب الإسلام السياسي تستعد لمواجهة جديدة، يكون فيها خصمهم هذه المرّة ليس مذهبياً أو طائفيّاً، وجميع ما يملكه هو إخفاقات الأحزاب الحاكمة منذ 14 عاماً.
صراحة زعيم التيار الصدري خلال اللقاء التلفزيوني، كشفت لأول مرّة عن المقصود من مصطلح (الميليشيات الوقحة) التي دائماً ما يردّدها الصدرُ في خطاباته، ويفسرها العراقيون على أنهم (العصائب)، لكنّه هذه المرّة، جعل النقاطَ على الحروف، وأزاح الستار من خلال وصف دقيق شمل بعض الفصائل التي يتشابه عملها مع المنظّمات الإرهابيّة، ولم يستثنِ من ذلك حتّى سرايا السلام في حال ارتكابها أعمالاً تُرهب المواطنين، وهو بذلك قطع جميع التفسيرات التي كان يتداولها الشارعُ العراقي، وما يلفت الانتباه في حديث الصدر، تمسّكهُ بالخطِّ الوطني والابتعاد عن سياسة المحاور من خلال إيجاد توازن في العلاقات مع السعودية وإيران، وهي رسالةٌ واضحةٌ لقادة المرحلة المقبلة، بضرورة الابتعاد عن الانتماء لأيّ معسكر خارجي على حساب الانتماء للعراق، وعدم تكرار أخطاء المرحلة الحاليّة، وهو بذلك ردَّ جميع الاتهامات الموجّهة إليه بشأن وقوفه مع محور السعودية ضدَّ إيران،، لكنَّ السؤال الذي يُثار حالياً.. هل تمكن الصدرُ من فك اللغز ورسم خطوط المرحلة المقبلة، أم سيكون للاعب الخارجي كلمته؟..