يلاحظ هذه الايام كثرة المؤتمرات التي تعقد تحت شعار (تحقيق التعايش السلمي في الموصل)، تقيمها عادة منظمات مجتمع مدني وبرعاية خاصة من منظمات دولية، آخرها مؤتمر اقامته اللجنة الاستشارية في مجلس محافظة نينوى لتعزيز التعايش السلمي في نهاية الاسبوع الماضي وبرعاية محافظ نينوى ورئيس مجلس المحافظة.
إن أي شخص منصف سواء من الموصل او من اية مدينة عراقية يدرك جيدا ان التعايش حقيقة قائمة بين عموم العراقيين منذ عشرات السنين رغم ما ظهر ويظهر على سطح المشهد العام من مظاهر عنف وقتل طائفي انتجتها هذه المرحلة البائسة التي اعقبت دخول الاميركان واتباعهم من جماعة الاسلام السياسي الى العراق بعد العام 2003 .
إن من يدعون الى مثل هذه المؤتمرات ويحرصون على اقامتها إما انهم يملكون تصورا خاطئأ عن حقيقة المجتمع العراقي،او يتعمدون تجاهل وانكار الحقائق بقصد استمرارهم بعملية نهب الاموال التي تخصص لاجلها من الجهات الراعية،أو يسعون الى تعميق وتجذير افكار وهواجس تتقاطع مع حقيقة التعايش المجتمعي بين مكونات المجتمع وذلك من خلال دسِّها في عقول الناشطين الشباب من كلا الجنسين، مستغلين ضعف وعيهم السياسي وقلة خبرتهم وحاجتهم الى العمل بعد ان تفشت ظاهرة البطالة بين اوساط الشباب من خريجي المعاهد والجامعات، وهذه الفكرة تتفق تماما مع المشاريع التي سبق ان طرحها فلاسفة العولمة ـــ في اطارها السياسي ــ خاصة مايتعلق منها بمنطقة الشرق الاوسط.
الاجدى من كل ذلك اذا ماسلمنا جدلا بحسن نوايا القائمين والمنظمين لهذه المؤتمرات ان يتوقفوا عن اقامتها،وبدلا عنها يتوجب عليهم العمل على ان تذهب الاموال المخصصة لها ناحية اعادة بناء وتعمير عشرات البيوت التي تهدمت وتضررت في عدد من مدن العراق وخاصة في الموصل القديمة، كذلك دعم العوائل المنكوبة بمشاريع صغيرة تستطيع من خلالها ان تواجة صعوبات الحياة التي باتت تواجهها من بعد ان فقدت مصدر رزقها او رب الاسرة.
إن المجتمع الموصلي تآلف وتعايش مع بعضه بكافة مكوناته بشكل طبيعي حتى هذه اللحظة، ولكن مايعكر هذا المزاج الانساني الفطري الاصيل لدى الناس في هذه المدينة العريقة هم الساسة وقادة الاحزاب وزعماء الطوائف والاقليات دون استثناء، يضاف اليهم عديد المنظمات التي تلعب ادوارا مزدوجة حيث تخفي وراء مشاريعها الخدمية والانسانية اجندات سياسية تسعى من خلالها الى تحويل الهويات الثقافية للمكونات المجتمعية بكل ماتحمله من تنوع وتفرد جمالي وقيم انسانية تتشارك بها مع غيرها الى هويات سياسية محتقنة بمشاعر الشك والتخوين وعدم الثقة بالمكون المجتمعي الاخر وصولا الى ترسيخ فكرة الانعزال والعيش في كانتونات قائمة على فرز اثني او طافي او عرقي.
المؤتمرات التي تعقد في العراق بهذا الخصوص لم تأت بنتائج تذكر ولن تكون رهانا فاعلا ومؤثرا في الواقع المجتمعي بكل مخرجاتها النظرية،لان الصراع ليس بين مكونات المجتمع انما بين شركاء العملية السياسية العرجاء، وستبقى هذه المؤتمرات مجرد ثرثرة لملء الوقت وادلة (صورة وصوة) يتم تقديمها الى الجهات المانحة الاجنبية للحصول على التمويل والذي سيذهب معظمه الى جيوب القائمين على تنظيمها بدل ان يتم توظيفه لاعادة اعمار وتأهيل المناطق المنكوبة.