الاعتداء على ضابط عراقي علناً من قبل محافظ واسط، لم يكن سيئاً بالمطلق، فقد كشفت لنا ذيول الإعتداء عن معلومة غائبة عن بالنا جميعاً وهي “ثمن الدولة العراقية” التي نعتبرها من باب الغباء “غير قابلة للتسعير”..!
لقد تم حل “الإشكال” البنيوي للدولة العراقية المعاصرة بمبلغ مليوني دولار، كما تناقلت الأخبار، وهو مبلغ الفصل العشائري الذي إنتهت اليه حادثة الإعتداء وأغلق ملفها، حاله حال بقية الملفات التي تفضح هشاشة الدولة العراقية.
سنقتنع بأن الحل كان وئداً لفتنة عشائرية لاتستطيع دولتنا السيطرة عليها كما يجري في البصرة ومنطقة الفضيلية في بغداد على سبيل المثال وليس الحصر، لكن السؤال الذي يتوجب الإجابة عليه دون تدليس :
أين ذهبت هيبة الدولة وحقها في الحق العام كما يقال، وهي تتمرغ في التراب على أيدي مسؤول عراقي رفيع أو غير رفيع فالتصنيف ليس من إختصاصنا ؟
محافظ واسط مرّغ هيبة الدولة علناً أمام الناس الذين ينبغي أن تحميهم ” دولة المؤسسات ” كما يفترض أن تكون.
الآن حقيقة عرفنا إن ثمناً لدولتنا العزيزة ممكن دفعه بعد تمريغ، ليس أنفها، بل كرامتها في تراب الطريق حسب مزاجية المسؤول أو أي قادر على الدفع.
لن نسأل من أين سيأتي السيد المحافظ بمليوني دولار ولا من أين ستأتي بها عشيرته الكريمة، فهناك من يدفع مادام سيكون هناك مدفوع في قادم الأيام، كما ليس من واجبنا الخوض في أسرار الناس وإمكاناتهم المالية..!
المفكر الإنكليزي جون لوك يرى بأنّ الدولة تستمد مشروعيتها عن طريق تطبيق الحاكم للقانون على جميع أفراد المجتمع دون تمييز أو إستثناء.
هل تم تطبيق هذه الوصفة على السيد المحافظ؟ ولنوسع الدائرة، ونقول: هل تم تطبيق هذه الوصفة على كل من خرق القانون من أفراد المجتمع “دون تمييز أو إستثناء ؟”.
ليس هنالك أسهل من الإجابة على هذين السؤالين في العراق، سيجيب أي مواطن عراقي بالقول “كلا.. وربما ألف كلا”.
الكثير من المسؤولين العراقيين، في البرلمان والحكومة، يفضلون حل نزاعاتهم، حين يجري التجاوز عليهم في المضيف العشائري، كما حصل مثلاً لآكثر من نائب في برلماننا العزيز، أو أنهم يهددون الآخرين باستخدام هذا “الحق” حق الفصل العشائري لإسكات الآخرين علناً من شاشات الفضائيات.
ماذا يعني ذلك؟
يعني بكل بساطة ان “دولتنا” هشة الى درجة إمكانية تمريغها بالتراب علناً وتجاوزها وتعطيل حقّها في حماية الناس وفرض القانون على جميع أفراد المجتمع دون استثناء.
ليس فقط ماذا يعني ذلك، بل إن الدولة العراقية عاجزة عن إستحصال حقّها فيما يسمى “قانونياً ” الحق العام، فتنازل الضحية أو تسوية المشكلة، يبقي حق الدولة مكفولاً إذا حصل أي تجاوز على قوانينها وسلطتها.
نحن حقيقة إما أمام دولة هشّة الى هذه الدرجة من “الهششان” أو أمام رجال يقودون البلد وهم غير مقتنعين انهم يقودون دولة بل سلطة لتحقيق المصالح؟! وفي كلتا الحالتين فان “دولتنا” سيكون بالإمكان تمريغ كرامتها في التراب مادام ثمنها معلوم معروف ومعلن.