صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

يا عمال العالم صلوا على محمد وال محمد

وصلني منشور من أحد الأصدقاء عبر الواتساب يحمل صورة تجمع السيدين رائد فهمي ومقتدى الصدر وكتب تحتها (يا عمال العالم صلوا على محمد وال محمد)، وهو تحوير للشعار الشيوعي الأممي (يا عمال العالم اتحدوا) في إشارة للتندر حول تحالف الشيوعي مع الصدر رغم اختلاف التوجهات الفكرية لكلا الطرفين, الدينية والعلمانية؟

لقد أثار موضوع التحالف الانتخابي -قبل أن يكون تحالفا سياسيا- بين التيار الصدري والحزب الشيوعي العراقي جدلا واسعا بين أوساط المثقفين اليساريين من جهة وبين المتشددين الأسلاميين من جهة أخرى, فالوسط الأول أي وسط اليسار المثقف يعتبر هذه الشراكة بمثابة الخروج عن التقاليد الشيوعية المزمنة التي كانت تدعو عبر تاريخها الذي تجاوز القرن من الزمن على فصل الدين عن الدولة، والسبب ليس لأن الشيوعية ضد الدين أو لا تعترف بالأديان وإنما كانت انعكاسا لما كان يعانيه الروس من ظلم واضطهاد وقهر وجوع وفقر مدقع قبل الثورة البلشفية بسبب استخدام الدين كغطاء وتسخيره بكل ما يملك من تأثير روحي على المجتمعات آنذاك لحماية القيصر الفاسد وحاشيته وتبرير سياساته التعسفية على إنها مفوضة له من الرب.

ولو عدنا واستعرضنا تاريخ الحزب الشيوعي العراقي فسوف لن نجد اي موقف تعسفي أو دموي معاد للدين أو كان قد أستهدف رجال الدين بشكل شخصي كما فعل البعثيون بالاسلاميين, رغم أن الفتوى المشهورة التي أطلقها المرجع الديني السيد محسن الحكيم (الشيوعية كفر وإلحاد) كانت القشة القاصمة والتي تسببت بقتل الآلاف من ابناء الشعب العراقي المنتمين للحزب الشيوعي عند سقوط حكم قاسم عام 1963! ورغم صدور الفتوى قبل عامين من تلك الحقبة لكنها كانت السلاح الفتاك الذي استخدمه البعثيون  في تصفية خصمهم التقليدي عبر ميليشيا الحرس القومي السيئة الصيت والتي لم يسلم من بطشها حتى أولئك المساكين من غير المنتمين للحزب الشيوعي والذين سقطوا بسبب العداءات الشخصية مع البعض بأتهامهم بالشيوعية.

اليوم وبعد وصول الحزب الشيوعي العراقي إلى خريف العمر كان لزاما على قياداته أن تنفتح على كل التيارات, سواء دينية أم غير دينية طالما أن الأهداف مشتركة كما توحي نوايا ومواقف قادة تلك التيارات, ولإنعاش الحزب الذي أصبح عاجزا عن التأثير في الواقع العراقي بعد أن سيطرت عليه التيارات الدينية بكل طوائفها ساهم الحزب الشيوعي العراقي بقوة في تظاهرات الجمعة الجماهيرية جنبا الى جنب مع باقي التيارات المدنية والدينية ولعب هذا الموقف دورا مهما في فتح الأبواب المغلقة على مصراعيها وتشابك الأيادي بمختلف ألوانها لإنقاذ العراق وشعبه من الواقع المؤلم الذي يعيشه منذ احتلال بغداد عام 2003.

في لقاء خاص مع الصديق الدكتور رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب في باريس على هامش إحدى أمسيات المنتدى العراقي في فرنسا سألته السؤال التالي, (يتهمكم البعض من اليسار المثقف والمدنيين وينتقدونكم بأنكم وضعتم أيديكم بأيدي الاسلامويين في الوقت الذي كانوا أشد المعادين لكم)؟ فأجاب الرجل (إننا لم نطرق أبواب التيار الصدري أو غيره من الأبواب، لكننا وجدنا فيهم تقاربا فكريا يدعو إلى تحرير العراق من براثن الفساد والمحاصصة المقيتة وتقاربا مكانيا جمعنا في ساحة التحرير، فتشابكت أيادينا لأننا نسعى لهدفٍ واحدٍ سامٍ وليس لدينا أي عداء عقائدي ضد التيار الصدري أو غيره من التيارات وإنما نختلف مع بعضها بسبب السياسات التي انتهجتها تلك التيارات والتي ساهمت بشكل أو بأخر في إيصال البلد لهذا الحال وتبقى أبوابنا مفتوحة لكل من يسعى لنفس الهدف الذي نسعى لأجله بغض النظر عن خلفيته العقائدية والدينية والسياسية).

وفي الوقت عينه يعرف عن السيد مقتدى الصدر رفضه القاطع لكل أنواع وأشكال ومصادر الفساد بدليل أنه قاطع العمل السياسي وقرر الاعتكاف مرة وأنب وأنتقد مرشحي تياره في البرلمان والحكومة عدة مرات ومعروف عنه عدم المجاملة والصرامة في مجابهة الفساد أيا كان نوعه حتى أنه أقصى البعض من ساسته ممن أساءوا استخدام السلطة وممن اتهم بالفساد.

لست مدافعا عن الحزب الشيوعي العراقي ولا عن التيار الصدري ولا عن أي تيار آخر لأنني ببساطة رجل مستقل و لا علاقة لي حاليا بالأحزاب بمجملها لا لأنني لا أفقه في السياسة و لا أرغب الخوض في غمارها بل لأنني لم أجد تيارا أو حزبا  سياسيا بمستوى طموحي رغم عشرات الدعوات من العديد من الأحزاب للانتماء لأحدها وهي ثقة أعتز بها, لكنني أقف موقف المشجع لمثل هذه التحالفات طالما أن هدفها الحقيقي النابع من نوايا سليمة لتغيير الحال الذي أصبح ميئوسا منه في نظر معظم العراقيين, لكن وكما يقال (لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس) كما إن المفهوم السائد عن الأحزاب العلمانية ما زال مشوها أو أريد له التشويه لأن العلمانية أو مذهب أنصار اللادينية في مؤسسات الدولة لا تعني الكفر بل تعني فصل الدين عن الدولة وتعني وضع الدين في مكانه الصحيح وهو دور العبادة بكل أشكالها والسياسة في مكانها الصحيح وهي دور الحكومة بكل مسمياتها, وهنا سيكون للدين هيبته وللدولة هيبتها وسوف لن يُستَغَل الدين لتعطيل سياسات الدولة لمصالح شخصية.    

لذلك لا أرى ضيرا في أن تتشابك أيادي التيار الديني المتشدد مع أيادي الأحزاب العلمانية واليسارية المنفتحة ولا أرى خللا في التقارب بين المدنيين العلمانيين و المتدينين خصوصا لو كان بنية صادقة لأداء عمل ينصب في مصلحة الوطن والمواطن.

أقرأ أيضا