صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

يريدون استبدال تموز العراقي بالقيصر الروماني يوليوس!

 ثمة إصرار ملحوظ من قبل نفر من الساسة والإعلاميين العراقيين -خصوصا من ذوي التمويل الخليجي والأميركي وأغلب المستعمَلين والمستأجرين في ما يسمى منظمات المجتمع المدني المشبوهة – على محاولة استبدال أسماء الأشهر الآرامية” السريانية” بالأشهر الرومانية. وهكذا فهم يكررون اسم شهر “يوليو” نسبة إلى جلاد الشعوب العتيق القيصر الروماني يوليوس بدلا من اسم الشهر تموز نسبة إلى إله الخصب عند البابليين القدماء!

صحيح أن العملية ماتزال في بداياتها كما يبدو ولكن من الضروري التصدي لها وفضح دوافعها والقائمين بها… وفي هذا الخصوص فمن المعروف أن الدول العربية المشرقية العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والأردن يستعملون الأشهر الآرامية وتسمى أيضا السريانية، وفي مصر ودول المغرب العربي يستعملون الأشهر الرومانية ويكون مفهوما ومبررا أحيانا ذكر أشهرنا الآرامية مع مقابلها الروماني ليفهم العربي المغاربي المقصود.

وأذكر من تجربتي الشخصية أننا حين بدأنا بمشروع تدريس اللغة العربية في المدارس السويسرية الحكومية، حين تقرر تدريس اللغات الأم لتلاميذها من ذوي الأصول غير السويسرية منذ خمس سنوات، قررنا تدريس وتحفيظ الأشهر لتلاميذنا بطرقيتين الآرامية وأيضا الرومانية لأنهم من دول مشرقية ومغاربية فلم يحتج أحد أو يرفض ذلك.

يمكننا ربط هذا المسعى المشبوه في عراق اليوم بمحاولات محمومة لمسح هوية العراق الحضارية العربية في دستور بريمر وأيضا ضرب وقطع جذوره الجزيرية “السامية”، وأحيانا يحدث ذلك بمبررات دينية وطائفية فقد طالب بعضهم قبل سنوات قليلة بتغيير اسم بابل الى اسم آخر ذي محتوى طائفي بدعوى أن اسم بابل وثني! وكأنهم –لجهلهم – يعتبرون بغداد ونينوى ومكة “بكة” واليمن وعدن وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان وبيروت ودمشق أسماء إسلامية في حين أنها وجدت قبل الإسلام بقرون عديدة!  وفي حين أن وزير خارجية إيران ظريف لا يرى بأسا في أن يتفاخر – رغم إنه وزير خارجية دولة تسمي نفسها “إسلامية” – بالملك الفارسي الوثني كورش قبل أيام ويقول رادا على نتنياهو بومبيو إنه هو الذي أنقذ اليهود في بابل. ولست هنا أعترض على ما قال ظريف فتلك حقيقة تاريخية لا يجهلها إلا أحمق كبومبيو أو نتياهو ولكني أقارن بين قوله وعقليته المنفتحة وبين كلام الجماعة المغلقين حتى النخاع عندنا.

في هذا السياق يُشكر مجلس القضاء الأعلى في العراق على اتخاذه لمسلة الملك الرافديني حامورابي – واضع أشهر منظومة قوانين في تاريخ البشرية قبل 18 قرنا قبل الميلاد (38 قرنا من الآن) وقد سبقه ملك رافديني آخر هو أرنمو ملك أور بثلاثة قرون – شعارا له مؤخرا، فهذا الإجراء يأتي على النقيض من مساعي الجهات المشبوهة الساعية لمسح هوية العراق الحضارية والتاريخية وحتى السكانية “الديموغرافية“.

* وبخصوص المسلة نجد في القسم العلوي منها الملك حمورابي واقفاً بخشوع يرتدي العباءة الطويلة والقبعة العريضة، يحيي بيده اليمنى الإله شمش الذي يجلس على عرشه ويمسك بيده اليمنى العصا والحلقة رمزا السلطة، ويقدمها لحمورابي الواقف أمامه، وفي القسم الأسفل من النقش نصوص شريعة حمورابي، النص مكتوب بالكتابة المسمارية واللغة الأكدية.

أما في صورة النقش البابلي للإله تموز فنرى الراعي تموز “ديموزي” الذي صار إلها للخصب وتشاهد الزهور والنباتات والحيوانات الأليفة السمينة تحيط به.

أقرأ أيضا