عندما تتحدث عن الإبادات الايزيدية وتواريخها وقصصها المؤلمة لن يصدقها غير الايزيدي لعظم ما لقوه من مصائب، وقد جرت أجمعها في أزمنة غابرة، غالبيتها كانت على أيدي العثمانيين، أو الجلادين الكرد التابعين لهم أو بمساعدتهم. المصيبة ان تلك الجرائم لم توثق، لأن الايزيديين لم يكونوا يملكون كتّابا ومؤرخين آنذاك.
أن تحدث إبادات في عهود سابقة ربما يكون أمرا مفهوما، أما حصول إبادة في القرن الواحد العشرين بحق مكون لا لشيء الا بسبب ديانتها، فهو شيء لا يصدق، والأكثر من ذلك أن الإعلام الكوردي حاول حرف هذه الحقيقة وتحويل المأساة الأيزيدية إلى كوردية من أجل استثمارها السياسي لمصالح فئوية ضيقة، وبذلك اختلفت الروايات والتحليلات، إلا أن الرواية الحقيقية ظلت غامضة ومسكوتا عنها من قبل الجهات الكوردية الرسمية، لأنها هي من كانت تسيطر على كل صغيرة وكبيرة في “سنجار”.
قصص متعددة وروايات متضاربة لرئاسة إقليم كردستان في سنجار حول تبرير ما حصل، فقد نقلت وسائل اعلام مرتبطة بأربيل خلال الأيام الأولى التأكيد على محاسبة المقصرين المنسحبين من سنجار، وان هؤلاء لا يمثلون القيادة الكردية والبارزاني ونهجه، الا أنه سرعان ما أطلقت وسائل الاعلام تلك إشاعة أخرى أصبحت محل سخرية الشارع الايزيدي، مفادها الانسحاب التكتيكي.
وبذلك بررت إدارة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني بسهولة المجزرة التاريخية التي راح ضحيتها 10 آلاف مواطن عراقي ايزيدي توزعوا بين قتيل ومخطوف ومفقود، بعد هذا أبدى الشارع الايزيدي غضبه تجاه المنسحبين، وهم القيادات الكوردية الحزبية والعسكرية، وهم كل من مدير الاسايش وأمر قوات البيشمركة في سنجار ومدير فرع الحزب الديمقراطي الكردستاني، هذا الامر زاد من الضغط الاعلامي على الحزب الحاكم في إقليم كوردستان، حيث قام بتبرير موقفه على لسان القيادي في الحزب سربست بابيري والذي قال: إننا لم ننسحب بمحض إرادتنا وإنما امتثلنا لأوامر القيادة الكردية المتمثلة ببارزاني، وهنا تم إسكات الشارع الايزيدي باعتباره أصبح أمام خط أحمر، ومن اللافت أن تلك القيادات أصبحت معززة مكرمة في كوردستان.
وبعد ضغوط الإعلام والشارع الايزيدي في أوروبا، غيرت القيادة الكوردية إفادتها بشأن الانسحاب المدمر الذي دمر حياة نصف مليون شخص بالقول ان قوات البيشمركة لم تكن تمتلك الأسلحة الكافية الثقيلة لمقارعة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، ثم عللت ذلك بخيانة القرى والعشائر العربية القاطنة حول سنجار، وان ثلاث فرق عسكرية انسحبت من الموصل دون قتال مع العلم ان سنجار وبعشيقة والحمدانية كانت تحت السيطرة الكاملة للحزب الديمقراطي الكوردستاني منذ سقوط النظام السابق إلى يوم الكارثة.
تبريرات أربيل لم تكن كافية لإقناع الشارع الايزيدي، وخاصة الشارع السنجاري الذي دفع القسم الأكبر من الفاتورة، ما ترك أسئلته حول أسباب حدوث الإبادة الايزيدية في العراق، دون أجوبة حقيقية.
لماذا تم استهداف سنجار بالذات وفي هذا الوقت؟ ولماذا حدث الانسحاب بشكل مفاجئ دون تحذير الأهالي؟
حاولت القيادة الكوردية أن تبرر الأمر بجواب جديد وهو أن عديد البيشمركة لم يكن كافيا لوقف موجة داعش، ولكن اذا رجعنا الى تصريحات القيادة الكردية حول سنجار قبل الكارثة بأيام وحتى ليلة الثاني من آب كانت تقول بأن قوات البيشمركة مسيطرة كليا على محاور القتال، وأنها لن تتهاون بالرد على اية هجمات، حتى أنها طلبت من الأهالي العودة عندما حاولوا مساعدة البيشمركة طوعا، رادة عليهم بطمأنتهم من أية مخاوف تذكر.
في الوقت نفسه، تم نقل كافة الأسلحة الثقيلة والدروع الى كركوك، فهل هذا الإجراء منطقي في وقت كانت فيه أربيل معرضة للسقوط وليس سنجار فقط؟
يذكر ان الكثير من أسلحة الجيش العراقي المنسحب من الموصل وقعت في يد القوات الكردية أثناء الانسحاب و منها كانت أسلحة ثقيلة؟ فلماذا تحججت القيادة الكوردية بعدم وجود سلاح كافٍ؟
السؤال الاهم هل تم التنازل عن سنجار مقابل كركوك؟
وهل أن الابادة كانت في 3 آب أم قبله؟
حقيقة الجواب على هذا السؤال لن يكون صعبا اذا سالت اي ايزيدي بسيط عن حالات التغيير الديموغرافي المقصودة في بعشيقة وشيخان، بعد مساع لتهجير أهلها ومصادرة أراضيهم وتوزيعها على أكراد ومسلمين موالين للحزب الديمقراطي الكوردستاني، ثم أتى الدور على سنجار بوصفها أهم وأكبر مركز لتواجد الايزيديين، لذا كان لابد أن تكون أية محاولة للتغيير الديموغرافي في سنجار بحجم ومساحة وأهمية القضاء.
يتساءل الايزيديون اليوم، عن سبب عدم البدء باجراءات محاسبة المسؤولين عن حصول الإبادة الايزيدية؟
لقد بدأ الايزيدي يتأكد من أن قيادة الحزب الحاكم في الاقليم أهملت هذا الموضوع، بدليل عودة ما يسمى بالقيادة الإيزيدية الكوردية إلى عملها الدائم، وهو تلميع صورة القيادة الكوردية المتسببة بما حصل للايزيديين، وهذا أمر يكفي للتأكيد على أن القضية الايزيدية تم اختزالها ضمن القضية الكوردية.
هذا ما يجعلنا نقول اليوم إن ٣ آب أغسطس، أصبحت ابادة عابرة وفي نفس الوقت خطة مدبرة، والنتائج إلى الآن هي أنه لم تتم محاسبة أحد مع وجود كل الدلائل التي تدين المشتركين في الإبادة من أجل الحصول على مكاسب من جراء الإبادة واليوم الأكراد يملكون أفضل الأسلحة بسبب إبادة الايزيديين في العراق حيث سيكون الخاسر الاول والاخير.
السؤال الأخير هو هل يفكر الايزيديون بالبقاء في وطنهم الأم أم أن الثقة انتهت نهائيا؟