أصبحت منظمات المجتمع المدني في العراق بالآونة الأخيرة لا تعد ولا تحصى، مئات المنظمات غير الحكومية، وعشرات الفرق الشبابية، رغم كل ذلك فان الاوضاع الإنسانية في العراق تشهد تراجعا مستمرا.
في ظل تزايد حالات الخطف والقتل وانتحار الشباب وقوانين الدولة التي لا تحترم المرأة، والعنف الممارس ضد الأطفال والقائمة تطول.
قبل ثلاث سنين على وجه التحديد، لم أكن اعرف شيئا عن المنظمات غير الحكومية في العراق، كان العمل الإنساني بالنسبة لي هدفا ساميا وحلما كبيرا، تعرفت عليه للمرة الأولى من خلال أصدقائي في منظمة الصليب الأحمر، والناشطين في حقوق الإنسان، وحقوق المرأة والبيئة، فضلا عن الناشطين الغربيين في مجال حقوق الحيوان، والذين كنت أرى الشغف في عيونهم والإيمان بالقضية في قلوبهم، ولطالما أسرني خماسهم، حتى أني كنت أدرك بان هذا الشغف وهذا الإيمان هو السبب بتحسين الأوضاع الإنسانية في الغرب، وتمنيت أن أجد الأمر ذاته في بلدي.
لقد كانوا الشرارة الأولى التي دفعتني للتعرف على عدد من منظمات المجتمع المدني في العراق، ومؤسسيها والناشطين فيها، وهنا كانت خيبة الأمل المريرة والتي أوقدت الكثير من الحزن والشعور باليأس والخذلان في قلبي.
الكثير من ناشطين حقوق الإنسان في العراق، دون مبالغة أعداء لما يدعون الدفاع عنه، وهم أحد أسباب تردي الأوضاع الإنسانية في بلدهم، فمنهم من يدعي بأنه “مدافع عن حقوق المرأة” لكنه يصرح بكل وقاحة بالوقوف ضد المساواة، وأن المرأة ضعيفة، وأنها مواطن من الدرجة الثانية، ولا يصح تمتعها بحقوق مساوية للرجل!
اذكر أني اشتركت في اجتماع لإحدى المنظمات النسوية الشهيرة في بغداد، حيث كانت المجتمعات يناقشن شرعية ضرب المرأة ووجوب الطاعة عليها، لقد كان الجلوس بينهن والاستماع إلى حديثهن أمرا مثيرا للاشمئزاز، وأدركت منذ تلك اللحظة بأنهن عدو المرأة الأول!
الكثير منهم يعتبر النشاط المدني عملا تجاريا يستغله للحصول على المال أو للحصول على اكبر عدد من الرحلات السياحية إلى خارج العراق! والكثير منهم يدعي دعم الشباب وفي قلبه حقد كبير وحسد لأية فرصة تخصص للأعمار الشابة، خيث تجده كالفيروس المنتشر في كل مكان، لا يترك ندوة ولا مؤتمرا ولا ورشة إلا وقد حضر فيها، ليس حباً في التعلم، وإنما رغبة في تناول اكبر كمية من الطعام المعد لضيافة الورشة!
لا مكان للشغف في عيونهم ولا وجود للإيمان بالقضية في قلوبهم، يفتقر اغلبهم لأدنى مستويات الثقافة
في منظمات المجتمع المدني بالعراق تشعر وكأنك في سوق تجاري بيعت فيه القضية بثمن بخس.
هذا الأمر يختلف قليلا في البلدان العربية الشقيقة، ففي تونس لا تغيب نظرات الجرأة والشغف والإيمان من عيون الناشطات النسويات التونسيات، وقد حصدن ثمار نضالهن بحقوق متساوية يكفلها القانون، يذكرني إيمانهن وجرأتهن كثيراً بالناشطات النسويات في فرنسا!
وفي مصر والسعودية برز الكثير من الناشطين المكافحين الذين عرضوا حياتهم للخطر وواجه الكثير منهم السجن والجلد والاضطهاد في ظل حكوماتهم الدكتاتورية!
وقد توصلت إلى قناعة نهائية بان الشغف والإيمان والكفاح هو الوصفة السحرية الوحيدة لتحقيق التغيير، نحن بحاجة إلى المزيد من الناشطين العراقيين المكافحين ممن يمتلكون عقلا متفتحا وقلبا يملؤه الشغف من الذين لا يركضون لاهثين وراء مصالحهم الشخصية الضيقة!