ليس صعبا أنْ نحدد طبيعة التفجيرات الارهابية التي ضربت بغداد خلال اليومين الماضيين، فهي جزء من استمرار الصراع مع الجماعات الارهابية من جانب، فضلا عن كونها تعبيرا عن المعطيات العسكرية التي تتمخض عن حرب تحرير الموصل من جانب آخر، لكن الأخطر في هذا التحديد هو ماله علاقة بالمعطيات السياسية الداخلية، والتي قد ترتبط بصراع الأجندات السياسية بين الفرقاء، وسعي البعض لايجاد بيئة سياسية وأمنية مضطربة يمكن أنْ يكون لها تأثير سلبي في المشهد السياسي، وفي اثارة الانتباه الى بعض النشاطات والمؤتمرات المريبة لبعض القوى السياسية، والتي تبحث لها عن موقع قدم في الدورة السياسية القادمة عام 2018، وفي مرحلة مابعد داعش، أو دعوتها للتدخل الخارجي لضمان مشاركتها تحت يافطات طائفية أو سياسية..
كما أنّ تدهور الواقع الامني العراقي ليس جديدا، فرغم حديث الجهات المعنية في وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد والأمن الوطني وغيرها، إلّا أنّ هذا التدهور قد تكرر، ويتكرر بين فترة وأخرى، فهو مرتبط بتعقيدات الوضع الأمني، وفشل عديد الخطط الأمنية، وكذلك بسوء الادارة اللوجستية مع ملف النازحين، والذي قد يكون منطقة رخوة يتسلل منها بعض الارهابيين للتنسيق مع الخلايا النائمة في بغداد.
ماحدث في تفجيرات الكرادة والشواكة يعكس كل هذا التأزم الأمني والسياسي، والذي يتطلب جملة من الاجراءات الفاعلة والواقعية، وباتجاه التنسيق المهني والمعلوماتي بين كل الجهات المعنية في ادارة الملف الأمني، لاسيما ملف منافذ حدود بغداد، إذ تحولت هذه المنافذ الى بؤر للفساد، ولضعف المعالجة والرقابة الأمنية، وبقطع النظر عن أي تفسير قد تطرحه هذه الجهة أو تلك، فإنّ أية زيارة ميدانية لهذه المنافذ يكشف حجم التردي في ادارتها، وفي معالجة الضغط الهائل للمركبات الكبيرة التي تدخل المدينة، والتي تحتاج الى معالجة علمية وتقانية، أكثر من ماهو موجود من آليات تفتيش فيها الكثير من البيروقراطية والروتينية، وبعيدا عن أية رؤية واضحة لخطورة هذه المنافذ على الأمن الوطني، وعلى الصورة الحضرية لمدينة كبيرة مثل بغداد.
نقد هذه المظاهر لايعني التغافل عن الجهود المميزة التي تقوم بها المؤسسات الأمنية، لكن التأكيد على ضرورة وضع معالجات ستراتيجية لمشكلة الازدحمات، وللضغوط الكبيرة التي تواجها السيطرات الأمنية هو ما يجب أنّ يكون مثار اهتمام الجهد الأمني، وبإتجاه وضع الخطط الاستخبارية والميدانية التي تكفل الحماية الأمنية، وتُسهم من جانب آخر في ضبط حدود المدن العراقية من خلال آليات تفتيش صحيحة، واجراءات تُيسّر دخول مركبات الحمل، والمركبات الصغيرة الى العاصمة بغداد.