صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

الأساتذة الجامعيون.. بين وارشو وبغداد

 

زرت وارشو عاصمة بولندا الاشتراكية سابقا عام 1979 وتعرفت هناك على شاعرة شابة تسمى “دززلافه” دعتني الى بيتها وكنت أتصوره قريبا داخل العاصمة، فاخذتني الشاعرة الشابة الجميلة الى محطة القطار ومن هناك استغرقنا في رحلة دامت نصف ساعة أو أكثر بقليل، وقادتني للنزول في محطة تحيطها غابة ولا أجمل، كما لو أنها في الأحلام أو الأفلام السينمائية، ترجلنا ومشينا في الغابة وسط هدوء تام، إلا من أصوات الطيور مختلفة الأشكال والألوان والتي لاأعرف لها أسماءً، وأدهشني وجود بيوت متفرقة من طابق واحد واسعة المساحة بحدائقها المسورة بنوع من الأسلاك التي لاتكتشفها الا حين تصير قريباً منها بسبب لونها الترابي، وعندما سألتها لماذا أتينا الى هنا ودعوتك كانت الى الييت؟

 

قالت لي: هنا بيتي مع زوجي.

 

قلت لها لماذا اخترت هذا المكان البعيد أليس سكنك في العاصمة أفضل؟

 

ابتسمت وأجابتني: هذا المكان وهذه البيوت التي تراها توفرها الحكومة للشعراء والادباء والأساتذة الجامعيين وكل كفاءات البلاد ومن ما تراه مناطق اخرى حول العاصمة أو في المدن الأخرى، لتوفير جو مثالي للإبداع، وأضافت: يومياً يأتي الى هذا المكان “سوبر ماركت” متجول لتأمين احتياجاتنا!!

 

غلّفني الحزن على كفاءات بلادي التي لا تجد سكنا لائقا في بلادها وغالبيتها خارج البلاد نفسها بسبب التعسف والاهمال وعدم الاحترام في الزمن الصدامي، واليوم تعمل حكومتنا “الرشيدة” بعد 14 سنة على التغيير، على إصدار قانون عادل لكل المتقاعدين، تحقيقا للعدالة الاجتماعية، وهذا أمر جيد، بل وجديد جدا، لكن الاستثناءات موجودة في كل مناحي الحياة، القانون الجديد سيضر بالتأكيد بشريحة الاساتذة الجامعيين من خلال قطع المخصصات عنهم، وان كنت غير مختص بالتقاعد والمتقاعدين، إلا انني أري ليس فقط استثناء هذه الشريحة من “العدالة” التي ستطيح “ببعض” امتيازاتهم في قانون الخدمة الجامعية، وإنما أطالب أن تعمل الحكومة والبرلمان معاً على زيادة هذه الامتيازات، فالاستاذ الجامعي ليس موظف صادرة وواردة مع حفظ المقامات والأعمال، لكن الاساتذة الجامعيين ثروة من ثروات البلاد التي ينبغي الحفاظ عليها وتطويرها وتأمين الظروف المواتية لنموها وتشجيع الطلبة المتميزين على الإنخراط فيها.

 

بإمكاننا أن نؤمن ألف موظف في ساعة واحدة، لكننا نحتاج الى نحو 30 عاما لتأمين أستاذ جامعي كفؤ ومتمكن وقادر على المساهمة في عملية التنمية البشرية في البلاد.

 

ألا يكفينا ان بلاد النهرين أصبحت طاردة للكفاءات ، التي تقدم خدماتها في بلاد الله الواسعة، فنعمل على تعميق هذا الإتجاه ، فيضاف لبلادنا لقباً جديداً هو “القاتلة للكفاءات”!!

 

دعوة لأساتذتنا الكرام في هذه الشريحة “المطرودة”  أن لايقفوا متفرجين ومكتوفي الأيدي، وهم الأوعى والأكثر قدرة على الدفاع عن مصالحهم.. وأهل مكة أدرى بشعابها!

أقرأ أيضا