تناقلت وسائل الإعلام المختلفة في يوم الاحد الماضي (٢٠١٧/٩/٣) خبرا مفاده أن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من الدول رصدت زلزالا في الأراضي الكورية الشمالية وكان الاعتقاد بأنه ناجم عن تجربة نووية جديدة أجرتها كوريا الشمالية.
وبعد ساعات من ذلك اعلنت كوريا الشمالية أنها أجرت تجربة هيدروجينية ناجحة جدا فجر ذلك اليوم، وان الزلزال الذي تم رصده ناجم عن تلك التجربة، قاطعة بذلك الشكوك والتكهنات التي ذهب إليها المحللون في مختلف انحاء العالم.
هذه التجربة تعد التحدي الأبرز والأكثر إثارة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها والتي وضعتها في حرج كبير أمام الرأي العام العالمي في وقت كثرت تهديدات ترامب لكوريا الشمالية لارغامها على الاذعان الى الإرادة الدولية، لذا فالتساؤل الذي يطرح نفسه الان: ما هي الخيارات المتاحة للادارة الأمريكية وحلفائها للتعامل مع هذا التحدي والاحراج؟
كثرت التكهنات والتحليلات للاجابة عن هذا التساؤل بين متشائم ومتفائل بما ستؤول إليه الاحداث عقب سلسلة التحديات الكورية الشمالية التي امتدت لسنوات طويلة؛ ووعود الرئيس الأمريكي الكثيرة بانهاء هذا الملف ووضع حد لبرنامج بيونغ يانغ النووي، ولعل أبرز تلك التحليلات تتمثل بالاتي:
الاول: هذه الأحداث تعزز القناعة بأننا على أعتاب حرب عالمية ثالثة يكون النووي سلاحها الأبرز!!
الثاني: ترجيح شن ضربات امريكية محددة لبعض المواقع الكورية الشمالية ذات الأهمية العالية.
الثالث: إذعان المجتمع الدولي لكوريا الشمالية وبدء التفاوض معها بوصفها قوة نووية لا يمكن تجاوزها!!
الرابع: تشديد العقوبات الاقتصادية على كوريا الشمالية وهو الخيار الأكثر منطقية وواقعية.
الا اني اعتقد ان حظوظ الاحتمالات الثلاثة الاولى في التحقق ضعيفة جدا، اذ لا يمكن أن يكون خيار الحرب النووية ممكنا لان نتائجه ستكون كارثية على العالم عموما، والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على وجه الخصوص.
ولا خيار الضربات المحدودة مجديا في إيقاف البرنامج النووي الكوري الشمالي في وقت لا يمكن التكهن برد فعل كيم جونغ اون في حال تلقت بلاده تلك الضربات.
ولا خيار الاذعان لرغبة كوريا الشمالية في الاعتراف بها كقوة نووية فهو خيار مستبعد جدا في الوقت الراهن على اقل تقدير لانه سيفتح شهية الكثير من الدول في امتلاك السلاح النووي وهو ما لا يتناسب مع رغبة الإدارة الأمريكية في التفرد بقيادة العالم.
اما خيار تشديد العقوبات على كوريا الشمالية فهو خيار قائم ويمكن أن يلجأ له مجلس الأمن الدولي لكنه لا يمكن أن يكون الخيار الوحيد للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في التعامل مع الأزمة.
لذا اعتقد ان هناك طروحات اخرى اكثر واقعية وفاعلية مما ذكر ستكون مطروحة امام صانع القرار الأمريكي يمكن أن تكون بمجملها خيار الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع كوريا الشمالية، يمكن اجمالها بالاتي:
أولا: تكثيف التواجد العسكري في كل من اليابان وشبه الجزيرة الكورية وخليج كوريا والبحر الأصفر اللذين يفصلان كوريا الشمالية من جهة الغرب عن الصين، وهو ما يعد منفذا راجحا لبسط نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في تلك المنطقة، وتضييق الخناق على كوريا الشمالية.
ثانيا: الحرب السيبرية: وهي حرب إلكترونية يكون قادتها القراصنة “Hackers” الذين يهاجمون مواقع محددة للعدو وهو ما اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع الملف النووي الإيراني في الأعوام ٢٠١٠ و ٢٠١١ وما بعدهما.
ثالثا: الحرب الاستخبارية: وهي حرب سرية مفتوحة يكون سلاحها الفكر بالدرجة الأولى وتوفر لها كافة الإمكانات التي تتطلبها، ويمكن أن تنفذ على مراحل بحسب نوعية الهدف ومدى أهميته، وقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية هذا النوع من الحروب مع الاتحاد السوفيتي فيما يسمى بالحرب الباردة آنذاك.