منذ أن انطلقت معارك تحرير المحافظات الغربية من قبضة داعش الإرهابي، منذ ثلاث سنوات، ورموز وشخصيات الطبقة السياسية الحاكمة في البلاد تصب فوق رؤسنا حمم المخاوف من مرحلة ما بعد داعش.. و”يبشرنا” هؤلاء القوم بأن القادم أسوأ، وإن دواعش من نوع أكثر فظاعة سيحلون بين ظهرانينا، إذا إستمر الحال على ما هو عليه!
الغريب في الأمر، إن هؤلاء القوم يبدون في تحذيراتهم وكأنهم يحدثون شعباً آخراً، فتنطلق تحذيراتهم “الذكية ” من خلف شاشات الفضائيات وهم بكامل اناقتهم بربطات اعناقهم الحريرية، مكتفين بحكمة “قد أعذر من أنذر”!
ويأتي العم ترامب ليؤكد تلك المخاوف فيطلق قنبلته النووية في آخر مؤتمر صحفي له ليقول:
الحروب القوية قادمة!
وكأننا الآن في رحلة اصطيافية في جحيم حروب غير قوية، رغم إن أثمانها باهظة من دم ودموع وخسائر مجنونة على كافة المستويات، لعلأشرسها تمزيق اللحمة الاجتماعية للشعب العراقي.
ولو تركنا العم ترامب والمؤامرات الامبريالية العالمية والصهيونية وما فوق الكونية، حسب عقول نظرية المؤامرات، فإن من حقنا أن نسأل هؤلاء القوم الذين يتحكمون بمصائرنا:
ماذا فعلتم لإيقاف الزلزال القادم مابعدداعش والذي “تبشرونا” به في كل مناسبة، ولاتفوّتون فرصة الا وتهزون بها أبداننا وتصعدّون من مستويات السكّر والضغط عندنا واضعين مصائرنا أمام زلزال الموت القادم؟
التقيت ببعض من هؤلاء القوم عن طريق الصدفة مرّة وبحكم عملي الاعلامي مرّة أخرى، فأكتشف، ياللخيبة، أن لاتصوّر حقيقي لهم لمرحلة مابعدداعش سوى إن القادم أسوأ!
وحين أطرح عليهم سؤال عمّا انتم فاعلين، فانهم يتسابقون بالقاء الكرات الملونة في ملاعب الآخرين داخل حدود البلاد وخارجها، وشعرت حقيقة إنني أمام نوع من السياسيين لا يفرقون بين الناقة والبعير، وإنهم أعجز من أن يكونوا منقذين للبلاد من أي نوع من أنواع الكوارث، فضلاً عن إنهم كانوا سببا في كل الغضب الذي وقع على رؤوسنا منذ أن تصدوا لمرحلة مابعد صدام، وأثبتوا بما لايقبل الجدل انهم غير مؤهلين لقيادة بلاد بحجم العراق.. وشعب بوضعية الشعب العراقي.. وامكانية الخوض في غمار التحدي لانقاذ البلاد والعباد من تأريخ ملوّث بالحروب والقتل!
هؤلاء القوم أعجز من أن يجلسوا الى طاولة واحدة ليجيبوا على السؤال المهم والأهم والأخطر: ماذا نفعل لانقاذ البلاد من مرحلة ما بعد داعش التي “نبشر” بها، وماذا نفهم من تصريح العم ترامب “الحروب القوية قادمة”؟
عاجزون عن فعل ذلك، وذاهبون الى مشاريع متناقضة ومتضاربة ومتقاطعة في أكثر الاحايين عن التسوية، هل هي شاملة أم وطنية أم تأريخية أم مجتمعية؟
هل نمط الحكم المطلوب يبنى على أساس الأغلبية السياسية أم العددية أم المكوناتية أم العودة الى أحضان الطبيعة المحاصصاتية “الرائعة”؟
باختصار شديد.. “الحروب القوية قادمة” لم يقلها ترامب للمزاح، وإنما هي رسالة قوية للمنطقة بأكملها والعراق من ضمنها بكل تأكيد!
والسؤال:
هل لدينا سياسيون على مستوى من “الفهم والعلم والحس الوطني” كي ينقذونا، ليس من الحروب القوية القادمة، بل يجنبوننا على الأقل الكثير من كوارث تلك الحروب التي “يبشر” بها ساستنا الكرام والعم ترامب القادم على صفيح ساخن؟