أثخنت الاستجوابات البرلمانية المشهد السياسي العراقي المثخن اصلا بالمزيد من الجروح، فرغم أنها جاءت تحت عنوان الرقابة ومكافحة الفساد الا أن رائحة السياسة لم تكن بعيدة عن خلطة الطبخات التي أطاحت حتى الآن بمحافظ ووزيرين ورئيس هيئة “مستقلة!”، وهي على وشك الاطاحة بآخر.
في ايلول الماضي، قرر مجلس النواب سحب الثقة عن وزير المالية هوشيار زيباري بأغلبية عدد الحضور، ما جعله يتهم كتلة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالوقوف وراء الاستجوابات التي تتم في البرلمان، محذرا من استهداف الرموز الكردية وتأثير ذلك على العلاقة بين بغداد وأربيل.
ولم تختلف جلسة استجواب وزير الدفاع السابق خالد العبيدي كثيرا، ففي جلسة عاصفة، اتهم العبيدي رئيس البرلمان وعددا من النواب بمحاولة إقالته لاغراض تتعلق بعقود تجارية فاسدة كان هو قد رفضها.
وكان الدور قد وصل الى استجواب رئيس الحكومة حيدر العبادي، ووزيري التربية محمد إقبال الصيدلي والخارجية إبراهيم الجعفري، الا أن المفاوضات السياسية حالت دون ذلك.
السؤال الذي يطرح نفسه باستمرار هو هل أن هذه الاستجوابات تأتي حقا من باب تفعيل الدور الرقابي للبرلمان العراقي على العمل الحكومي، وأن من حق النائب استجواب أي وزير يلاحظ أي خلل في عمله، أم أن تلك الاستجوابات لا تأتي إلا في إطار سياسي لا أكثر ولا اقل؟
نظرة بسيطة لمحتوى تلك الاستجوابات سنعرف أنها لم تقم بدافع سياسي 100% ولا مهني 100%، فالأسئلة التي تم توجيهها الى المسؤولين التنفيذيين والبالغة 18 سؤالا لوزير الدفاع خالد العبيدي، و12 سؤالا لوزير المالية هوشيار زيباري، و26 لمحافظ بغداد علي التميمي، و17 سؤالا لرئيس مفوضية الانتخابات سربست مصطفى (وهو على وشك الاطاحة)، وعدم استعداد رئيس هيئة الاعلام والاتصالات صفاء الدين ربيع لحضور الاستجواب، كل ذلك يكشف عن وجود أسئلة وشبهات حقيقية وراء استجواب هؤلاء، الا أن ذلك ليس كل المشهد، لأن الجانب السياسي حاضر وبقوة، فاستجوابات أعضاء دولة القانون لوزراء حكومة العبادي توقفت فجأة بعد عودة زعيم الكتلة نوري المالكي الى منصبه نائبا لرئيس الجمهورية، وأن من استجوب أحد المسؤولين المقالين لم يصوت على اقالة وزير اخر متهم بذات التهم، كما جرى الحال في استجواب وزيرة الصحة عديلة حمود.
لذا فان تلك الاستجوابات يمكن قراءتها على أنها محاولة لمزج المهني بالسياسي، والهدف خلط الاوراق السياسية، واستعراض العضلات مبكرا، وتقديم العروض الثأرية التي من شأنها تسجيل نقاط في مرمى الخصوم.
إن أفضل ما توصف به المرحلة السياسية الحالية هي مرحلة الصراع السياسي العسير الذي قد يصل الى كسر العظم بين الكتل والشخصيات السياسية، كون الجميع يقف على ابواب انتخابات لا تقبل المساومة ومنافسات لا ترحم بينها، وسيكون الكل خلالها بحاجة الى دعاية مبكرة، قد توفرها لهم مثل تلك الاستجوابات أو غيرها من الممارسات السياسية المشروعة في الظاهر، ورغم أن للأمر تداعيات خطيرة على تصدع المشهد السياسي الا أنه لن يضر المواطن أو الناخب العراقي الذي سيتفرج بلذة على نشر الغسيل السياسي بين الكتل.