صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

السلطات الثلاث.. ظلمتم هؤلاء فأنصفوهم

 

يعتزم مجلس النواب مناقشة تعديلات قانون العفو العام الذي صوت عليه مجلس النواب العراقي بتاريخ 25/ 8/ 2016 ولكي لا تكون صياغة التعديلات “سياسية” أقترح على اللجنة القانونية أن تكون الصياغة “قانونية” أكثر من النسخة الحالية وذلك بتعداد أرقام المواد الجزائية المشمولة بالعفو، وتلك المشمولة بالتعويض، وتلك التي تتطلب تنازل المشتكي، وهنا لابد من الإشارة إلى خلل رئيس في القانون ينبغي تداركه في مناقشة التعديلات، وهي إن قانون العفو يوجب إسقاط أي عقوبة تندرج ضمن عقوبات “الحق العام” بمجرد تشريعه وهذا ركن اساس بالعفو،فجنح وجرائم الحق العام لا يتطلب “تنازل المشتكي” بل تسقط تلقائيا بمجرد تشريع أي قانون عفو، وهذا لم يحصل في قانون العفو الحالي الذي لم يتضمن بند خاص بجرائم الحق العام،وساوى القانون بين الجرائم كالقتل والخطف والتسليب وجرائم الإرهاب واختلاس أموال الدولة، وبين الجنح مثل السب والقذف والمشاجرة وتحرير الصكوك والإهمال الوظيفي وغيرها كثير.

 

فمثلا إن القانون –بصيغته الحالية- شمل كل الجرائم بما في ذلك جرائم الإرهاب، لكنه لم يشمل شريحة المقاولين وأصحاب الشركات المتهمين والمدانين بجنح كتابة صكوك بدون رصيد (المادة 459)، رغم إن العقوبة الجزائية في هذه المادة هي “حق عام” المفروض أن تسقط تلقائيا بمجرد صدور قانون العفو، لأن الأولى أن تسقط الدولة عقوبات الحق العام خاصة إذا لم تؤد إلى ضرر بأموال الدولة أو ممتلكاتها أو إلى إصابة أو وفاة أحد مواطنيها، وتتحمل السلطات التنفيذية المركزية والمحلية كامل المسؤولية في عدم إيفاء المقاولين بإلتزاماتهم المالية تجاه دائنيهم من خلال عدم منحهم مستحقاتهم المالية عن أعمالهم المنفذة، ورغم إن الصكوك التي أدين بها المقاولون كانت لغرض ضمان حقوق دائنيهم، ومع علم دائنيهم بأنها بدون رصيد الأمر الذي يظهر “حسن النية” وليس “سوء النية” التي يستوجب توفرها لإصدار الحكم الجزائي،فالركن المعنوي لأية جريمة يتخذ صورة القصد الجنائي وتكون الجريمة عندها “عمدية”، والفقرة (أولا) من المادة (459) تنص على (يعاقب… من أعطى بسوء نية…)، ومفردات مثل (أعطى.. بسوء نية) تدل على وجوب توفر القصد الجنائي، وقد قضت محكمة التمييز بأن (عدم وجود مقابل وفاء للمتهم عند تحرير الصك الى المستفيد وعلم المشتكي المستفيد بذلك، والاتفاق الحاصل بينهما على عدم تقديم الصك خلال مدة معينة من تاريخ تحريره، ينفي سوء نية الساحب التي يجب توافرها لتطبيق نص الفقرة (1) من المادة (459) من قانون العقوبات)، (القرار التمييزي المرقم 2453/ جزائية/87، 1988 في 19/3/1988 مجموعة الأحكام العدلية، العدد الأول، سنة 1988،ص123، وكذلك القرار التمييزي المرقم 19/ تمييزية/73 في 16/4/1973، والمنشور في النشرة القضائية، العدد الثاني، لسنة 1975، ص 363.وكذلك قرار محكمة إستئناف النجف بصفتها التمييزية المرقم 69/ت.ج /99 في 24/7/1999. والغريب إن القضاء العراقي لم يعد يميز في أحكامه بين من حرر صكا بدون رصيد “بسوء نية” من آخر حرر صكا “بحسن نية لغرض ضمان حق الدائن”، وبالتالي فالمقاولون وأصحاب الشركات ظلموا من السلطات الثلاث، فقد ظلموا حين لم تف السلطات التنفيذية بإلتزاماتها تجاههم بعدم منحهم مستحقاتهم ما أدى إلى إخلالهم بإلتزاماتهم تجاه دائنيهم، وظلموا من قبل السلطة القضائية لأنها إعتبرتهم “نصابين” عندما ساوت بينهم وبين من حرر صكا “بسوء نية” عند إصدار الأحكام الجزائية بحقهم مرة وعند تطبيق قانون العفو الذي يوجب تطبيقه إسقاط عقوبة الحق العام تلقائيا عنهم بمجرد صدوره مرة ثانية، وظلمتهم السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب حين شمل العفو المتهمين والمدانين بجرائم إرهابية فيما إشترط على المتهمين والمدانين على وفق المادة (459) “تنازل المشتكي” فيما العقوبة فيها “حق عام” مع إن إشتراط تنازل المشتكين سيلغي إمكانية لجوءهم للمحاكم المدنية لنيل حقوقهم المالية، وهذا ما لا يريده المشرع الذي فاته الإلتفات الى هذا الأمر حين إشترط “تنازل المشتكين”.

 

لذا سيكون من الإنصاف الإلتفات الى هذه الشريحة التي تعرضت للحيف والظلم والتي يرزح عدد كبير منها في السجون والمعتقلات، من خلال تضمين قانون العفو العام فقرة خاصة بجرائم وجنح “الحق العام” ومنها المادة (459) عند مناقشة مجلس النواب للتعديلات المقترحة على القانون، أو أن تشرع السطات القضائية والتنفيذية بإطلاق سراح المتهمين والمدانين على وفق هذه المادة، لأن العقوبة الجزائية الواردة فيها هي “حق عام” لا يتطلب إسقاطها تنازل أو عدم تنازل المشتكي، مع الإبقاء على حق المشتكين باللجوء إلى المحاكم المدنية، وهذا ما معمول به في أغلب دول العالم المتحضر.

 

أقرأ أيضا