ابتداءً لابد من الاذعان لقاعدة أن “إثبات الشيء لا ينفي سواه”، وإذا تحدثت عن الدكتور العبادي فلا اريد التعريض بغيره او الغمز من قناة منافسيه، بل اتحدث بموضوعية وتجرد حزبي وانفعالي رغم ان الحديث الجريء والنقد اللاذع ينأى بصاحبه عن الاتهامات بالتزلف او التكلف او التصنع او التنطع، بينما قول الحق والصدق الذي يستبطن انصافاً وموضوعية ستطاله الاتهامات الجاهزة.
ليس من عادتي ان اعمل مداحاً ورداحاً او مصفقاً ومتملقاً، لكن الخلاف لا يمنع الانصاف.. كما يقول تعالى “لا يجرمنكم شنئان قوم الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى”.
قد يقال في الأنظمة الديمقراطية تأخذ سياقات المؤسساتية دوراً في إكمال الرئيس ما أنهاه سلفه دون الشروع من نقطة الصفر او الرجوع الى المربع الاول، الا في عراقنا، فالديمقراطية منقوصة تمتزج فيها البداوة التي أشار اليها ابن خلدون وحداثة الديمقراطية، ولذلك فان مخرجاتها عادة تكون ولادات مشوهة، فالدكتور العبادي ورث واقعاً مخيفاً لا يجرؤ احد على الخوض فيه الا من رحم ربي:
أولا: ثلاث محافظات ونصف المحافظة بيد تنظيم داعش، وبعض داعش أغراه الانهيار ليحلم باقتحام بغداد ووصل الى حزامها.
ثانيا: هبوط حاد في أسعار النفط غير مسبوق، واقتصادنا الريعي لا يكاد سد إنفاقات الحرب فضلاً على تسديد رواتب الموظفين والمتقاعدين.
ثالثا: احتقان شديد بين الشركاء والفرقاء السياسيين عبر الاتهامات باسقاط الموصل ومذكرات اعتقالات طالت رموزاً سياسية من المكون الاخر.
رابعا: ازمة ثقة متفاقمة ومتعمقة تكاد تعصف بالنسيج الاجتماعي وتمزق اللحمة الوطنية .
خامسا: تداخل إقليمي ودولي في العراق والسعي لإقحام العراق في سياسة المحاور الدولية في ظل اصطفاف إقليمي خطير يؤثر ويتأثر بالواقع العراقي.
سادسا: علاقات عراقية مأزومة مع المحيط العربي والاسلامي وتسابق وتنافس دولي وإقليمي ميدانه العراق.
وفق هذه التحديات والتعقيدات كيف نتخيل حال رئيس وزراء يقود العراق في ظل كل هذه الصعوبات ما خفي منها وما ظهر .
ما أعلن من دعم لا محدود للعبادي كان معنوياً والمعنويات وحدها لا تكفي دون إمكانيات واقعية كما ان الطموح بلا إمكانيات واقعية يتحول الى جموح وامكانيات بلا طموح تتحول الى جهد مبعثر.
ومع كل ما ذكرناه من تحديات فان هناك منجزات عبادية منظورة على الارض، وهناك منجزات غير محسوسة وغير ملموسة كفعل السلب او المنع كإبعاد شبح الحرب الطائفية عن البلاد والعباد.
ابعاد شبح الانهيار الاقتصادي والانفلات الشعبي وابعاد التدخلات الإقليمية الصارخة بحجة الدفاع عن المكونات وانتزاع فتيل الأزمات وإفراغ ضغط الاحتقانات والتوترات ..
اما على صعيد المنجزات المنظورة فهي واضحة للعيان والأذهان أهمها:
أولا – استعادة كل المناطق المحررة وعودة أربع محافظات الى احضان الوطن دون اثارة حساسيات طائفية او مناطقية او تلويث الإجواء الإقليمية والدولية .
ثانيا – استدراك الانهيار الاقتصادي باستمرار الرواتب دون غضب شعبي او تقشف بالغ .
ثالثا: – امتصاص التقاطعات الدولية والإقليمية وإفراغ ارتدادتها في مناطق حساسة كالفلوجة وتلعفر وجلولاء ومناطق كركوك.
رابعا- استعادة الثقة المفقودة لدى الاخر رغم دخان الحرب الذي يكاد تلويث مناشيء حسن الظن والثقة.
خامسا- مداراة الواقع السياسي المحتقن ومجاراة الانفعال الإقليمي وعقلنة الانفعالات الدولية والتجاذبات السياسية وإخراج العراق عن هذه المخاضات يعكس قدرة استثنائية لصاحب القرار الدكتور العبادي رغم تشويش المقربين الحالمين بالسلطة من جديد.
خطاب التهدئة الذي تميز به الدكتور العبادي يعبر عن قوة وقدرة في الأداء السياسي بخلاف خطاب الانفعال والارتجال الذي افقد العراق بوصلته المحلية والدولية والإقليمية .
اصبح العراق محط أنظار العالم والدول الإقليمية التي تتنافس على اعادة النظر في موقفها السابق وتخفي اعتذاراً مبطناً في اجواء المكابرة السياسية.
نجح العراق في ظل قيادة الدكتور العبادي في انتهاج موقف متوازن ومعتدل بعيداً عن الاصطفافات الإقليمية او التخندق بالنيابة ونأى بالعراق عن التأثيرات السلبية التي يراد لها ان تكون جزءاً من تصفية الحسابات الإقليمية والدولية كما عزز الثقة بالمحيط العربي الذي تحسس من اداءات وخطابات العراق غير المنضبطة طيلة المرحلة السابقة.
وختاماً ان القدرة الواعية والخطاب الذكي للدكتور العبادي هي صناعة الاخاء والاصدقاء وكسب الخصوم والاعداء وتحويلهم الى حلفاء دون فقدانه شيئا من هيبة وسيادة العراق.
قيادي في الحشد الشعبي