صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

العلمانية ليست حلاً!

يطرح الكثير من المثقفين وبعض السياسيين في العراق في كتاباتهم وفي بعض الحوارات التلفيزيونية فكرة العلمانية كحل أو كمشروع لإنقاذ الوضع السياسي المتأزم في العراق. وفي أحيان كثيرة يخلط البعض بين المدنية والعلمانية كمشروع بديل للمشروع الديني الذي تأسست عليه قوى الإسلام السياسي، سنيها وشيعيها. ولكن هل الحل فعلاً يكون بنظام علماني؟ قبل البدء لابد من سؤالين جوهريين، الأول هو هل أن النظام السياسي في العراق هو نظام ديني؟ لنستبدله بعلماني. السؤال الثاني، ماذا سيحدث لو تغير الدستور وكتب به صراحة أن النظام السياسي في العراق علماني؟ بالتأكيد، أن السؤال الثاني  يعتمد على اجابة السؤال الأول.

 

هل أن النظام السياسي في العراق نظام ديني؟ الجواب بالتأكيد كلا. الدستور العراقي لاينص على أن العراق دولة دينية وإن كتب في الدستور أن دين الدولة هو الأسلام وأن الأخير مصدر من مصادر التشريع. هذا مكتوب في كثير من دساتير الدول العلمانية حتى أن أكثر الدول العلمانية عراقة تضع للدين حيز ولو هامشي كما في الولايات المتحدة الأمريكية. أضف إلى ذلك أن النظام السياسي في العراق، وأن كان صورياً، هو نظام ديمقراطي حيث هناك مجلس للوزراء والنواب وهناك فصل للسلطات وانتخابات تشريعية يكون فيها المواطن مؤثراً في تغيير الخريطة السياسية. العراق ليس دولة دينية ولكن الثقافة الدينية هي الطاغية والتي يعتمد عليها الإسلام السياسي ويستمد منها قوته. أما الاجابة على السؤال الثاني، فلنفترض أن الدستور العراقي يؤسس لدولة دينية على أساس بعض فقراته. والنفترض أيضاً أن جهود التيارات العلمانية والمدنية نجحت في رفع فقرة دين الدولة هو الأسلام وآن الإسلام مصدر من مصادر التشريع، ماذا سيحدث؟ هل سيتغير شيء على أرض الواقع؟

 

في اعتقادي سوف لن يتغير شيئاً وستعود احزاب الإسلام السياسي مرة أخرى ولن يمنعها أحد مادامت هي لاتدعو لدولة دينية. نعم، لابد أن نواجه حقيقة أن أحزاب الإسلام السياسي لاتدعو لإقامة دولة دينية كما يفعل الأخوان المسلمون في مصر، ولكنهم في المقابل يتبنون فكرة أسلمة المجتمع العراقي ويسعون لذلك وفي رأيي أن ذلك أخطر من الدعوة لدولة دينية لآن في الدولة الدينة هناك انسجام بين طبيعة المجتمع وطبيعة النظام السياسي آما أذا كان النظام السياسي ديمقراطيا وطبيعة المجتمع مؤدلجة دينيا فسندخل في دوامة لانهاية لها. علينا أن نفهم أيضاً أن في الكثير من الدول المتقدمة والراسخة في الديمقراطية والعلمانية توجد أحزاب سياسية دينية مسيحية وغيرها مادامت تؤمن بالديمقراطية.

 

إن عملية طرح مشاريع بديلة كالعلمانية والمدنية وغيرها لا تجدي نفعاً ما دامت تعمل على التغيير الفوقي كالقوانين وطبيعة نظام الحكم أو غيرها من المحاولات ما لم ترفد بعملية تغيير تحتي. في رأيي أن الإسلاميين بارعون في ذلك وهم يغيرون طبيعة المجتمع العراقي وثقافته نحو تدين يجنح للقبول بالخرافة والغيب من خلال التركيز على الشعائر الدينية والطقوس الجماهيرية، بعيداً عن روح الإسلام الحقيقي، والتي توحد الهوية السياسية الفرعية وتأتي ثمارها في الإنتخابات السياسية. أما العلمانيون والمدنيون فأنهم لايملكون غير التظاهر أو محاولات الضغط في الأعلام أو على مستوى النخبة وهذا لن يجدي نفعاً على المدى القريب والمتوسط.

 

المجتمع العراقي بحاجة لوعي جديد يقاطع أو يعمل قطيعة مع التراث الملغوم بالطائفية. لابد من قطيعة مع فكرة الإسلام السياسي برمتها وذلك من خلال التركيز على وعي المواطنة. نعم، حث الناس وتوعيتهم بحقوقهم الطبيعية كمواطنين وليس كأفراد تابعين لطائفة معينة أو عرق أو جنس معينين. وعي المواطنة لايأتي من السياسيين وقطعاً سوف لن يأتي ولكن يمكن أن يأتي من خلال المجتمع المدني، وهنا لا اقصد فقط منظمات المجتمع المدني بل كل عمل مدني فردي أو جمعي يحث المواطن على العمل المشترك بعيداً عن التصنيفات الأيدلوجية والحزبية والدينية. لا ننسى هنا أن الأعلام جزء لايتجزء من منظومة المجتمع المدني. نشر ثقافة المواطنة قريب كل القرب من فكرة الدولة المدنية وبعيد كل البعد عن فكرة العلمانية. فكم دولة علمانية لاتوجد فيها حقوق للمواطنة كأمريكا في الستينيات ضد السود وجنوب أفريقيا في نظام الفصل العنصري  والعراق أيضا في زمن البعث حين كان يضرب الدين بيد من حديد. التركيز على ثقافة المواطنة يحتاج لوقت ليس بالقصير ولكنه بالتأكيد سيؤسس لاحقاً لوعي جمعي وحراك جماهيري جمعي عندما تنصهر تجربة الظلم والقهر والتهميش السياسي لدى فئات معينة من المجتمع كالشباب والنساء مثلاً.

 

إن التركيز على فكرة العلمانية، وأن بأسهل تعاريفها الأكاديمية مثل فصل الدين عن الدولة آو السلطة وليس المجتمع، سوف لن يجدي نفعاً بل سيثير الكثير من اللغط وسيجلب المتاعب ومشاكل يمكن الإستغناء عنها. بل سيخلق خصوم ليس لأحد حاجة بهم والذين يستطيعون تأليب الشارع بسهولة تامة ليعود مسلسل الإتهام والتخوين والتكفير والتهويل وليس الخطف أو القتل آخرها. أن التركيز على فكرة العلمانية سيسحب البساط من فكرة دولة المساواة والمواطنة وسيعطي ذريعة لبقاء الإسلام السياسي رغم فشله في إدارة الدولة لأنه المهيمن حالياً ليس على النظام السياسي فحسب بل هو يبتلع المجتمع المدني برمته من منظماته الخيرية والشعائرية حتى فضائياته التي لاتخلو منها عمامة بيضاء أو سوداء.

 

أقرأ أيضا