صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

المثقف العضوي

 

أنطونيو غرامشي وهو مفكر ماركسي، شهد التحولات التاريخية الكبرى مثل ثورة أكتوبر في روسيا والأزمة العامة للرأسمالية وصعود الفاشية الى سدة الحكم في إيطاليا والنازية في المانيا،يصنف المثقفين إلى صنفين الأول الذي هو جزء من طبقة إجتماعية محددة، خاضع لنفس العوامل السوسيولوجية التي تشكل وعي الطبقة وتطلعاتها ويسمي هؤلاء ب”المثقفين العضويين” ويكون دورهم بلورة فكر يعكس رؤية تلك الطبقة وتطلعاتها الى تحسين واقعها المعاش، فهو يقول “ان كل فئة (طبقة) اجتماعية ترى النور في باديء الأمر على أرض وظيفة أساسية في عالم الإنتاج الاقتصادي فتخلق عضويا -في نفس الوقت الذي ترى فيه النور- شريحة أو عدة شرائح من المثقفين الذين يزودونها بتجانسها وبوعي وظيفتها الخاصة، لا في المضمار الاقتصادي فحسب وإنما في المضمار السياسي والاجتماعي أيضا. هَؤُلاء المثقفون المرتبطون بظهور طبقة اجتماعية أساسية هم المثقفون العضويون، وتكمن وظيفتهم في تكوين تجانس فكري للطبقة الاجتماعية التي يمثلونها” ، المثقف هنا جزء من طبقة إجتماعية، وظيفته تكمن في تكوين ما أسماه غرمشي”تجانس فكري” والذي يمكن تفسيره رياضيا، بإيجاد العامل المشترك الأصغر للأعم الأغلب من تطلعات وأفكارأفراد تلك الطبقة، وتوضيحه وطرحه كرؤية فكرية لتلك الطبقة في نضالها لتحقيق تطلعاتها.

 

الصنف الثاني للمثقفين هو صنف المثقفين التقليديين أو (الكلاسيكيين)، وهم –حسب تصنيف غرامشي- المرتبطين بطبقة إجتماعية زائلة أو في طريقها إلى الزوال. فهو يقول إن “كل مجموعة اجتماعية بنشوئها في تاريخ البنية الاقتصادية السابقة لها وكتعبير عن تطور تلك البنية وجدت علي الأقل في التاريخ المعروف حتى الأن، فئات مثقفين موجودة قبلا، بل وكانت هذه الفئات تبدو كممثلة لاستمراية التاريخ غير المنقطعة وحتى من قبل التحولات الأكثر تعقيدا وجذرية للأشكال السياسية والاجتماعية”.

 

ويعتبر غارمشي رجال الكنيسة -يقابلهم عندنا أئمة الجوامع وفقهاء الدين- ممثلين نموذجيين عن المثقف التقليدي فهم قد إحتكروا لزمن طويل بعض الأفكار والآراء الهامة، مثل الأيديولوجيا الدينية، والفلسفة ، والرؤية والتفسير الديني للأحداث من منطلقات تخدم الحفاظ على وجودها ومصالحها من الإنهيار. و نظرا لأن هذة الفئات المختلفة من المفكرين، أي المثقفين التقليديين تشعر “بروحية الجسد” باستمراريتها التاريخية غير المنقطعة و”بأهليتها” فهي تظهر نفسها باعتبارها مستقلة عن المجموعة الإجتماعية المسيطرة.

 

ويرى غرامشي أن قدرة أي طبقة اجتماعية علي الصعود وتحقيق الهيمنة على المجتمع تكمن في قدرتها على تكوين مثقفين عضويين مرتبطين بها وكذلك في قدرة هذه الطبقة على استيعاب المثقفين التقليديين المنحدرين من فترات تاريخية سابقة. “إن واحدة من أهم السمات المميزة لكل فئة تسعى الى الوصول الى السلطة هي النضال الذي تخوضه لكي تتمثل وتستوعب أيديولوجيا المثقفين التقليديين، وهذا التمثل والاستيعاب يتمان بسرعة وفعالية أكبر إذا قامت الفئة المشار إليها بإجراء مزيد من التغيير في صفوف مثقفيها العضويين” التغيير الذي أوجبه غرامشي هنا، قد لا يتفق مع طبيعة الصراع الذي تخوضه الطبقة الإجتماعية التي تسعى الى السلطة مع تلك الممسكة بها او التي توارثت السلطة من التي سبقتها، فالصراع بين الطرفين غالبا ما كان يأخذ بعدا ايديولوجيا، فكيف يمكن للطبقة الإجتماعية التي تسعى إلى الوصول الى السلطة”، أن تتمثل وتستوعب ايديولوجيا المثقفين التقليديين”؟ الكلام سيكون صحيحا لوكان إن عليها ” أن تستوعب المثقفين التقليديين” وليس “إستيعاب ايديولوجيتهم”، فصراع الطبقة الإجتماعية الساعية الى السلطة ليست في الواقع صراعا ضد وجود الطبقة الممسكة بالسلطة بقدر ما هو صراع طبقي بين فئات تشعر بالغبن من طريقة توزيع الثروة مع فئة معينة إحتكرت السلطة والمال لأفرادها عبر مجموعة من الآليات والقوانين المجحفة التي أضفت على سرقتها للمال العام صفة قانونية، أي إنه صراع ضد إمتيازات الطبقة وبسببها، وليس بالضرورة ضد أفراد الطبقة بصفتهم الشخصية، قد يكون بعض أفراد طبقة الحكم البارزين الذين جسدوا-شكلا- طبيعة مرحلة اتسمت باللا عدل واللا مساواة، من بين أبرزضحايا الصراع بين الجانبين.

 

 

أقرأ أيضا