تزامنت عمليات تحرير قضاء تلعفر الواقع في غرب محافظة نينوى والموصل الى الحدود مع سوريا، مع عمليات مشابهة كبرى يقودها الجيش وحزب الله اللبنانيان في جرود عرسال على الحدود مع سوريا أيضا.
وما إن تم إعلان النصر في المدينة العراقية، بالقضاء على من فيها من عناصر داعش بطريقة تشبه تحرير الموصل بساحليها الأيسر والأيمن، حتى تتالت الأنباء عن نصر مماثل في لبنان على عناصر داعش المتمركزة في الحدود المشتركة بين سوريا ولبنان، الا أن المفاجأة الثقيلة التي لم نشأ سماعها هي الإعلان عن التوصل الى اتفاق مفاجئ لكل الأوساط السياسية والشعبية، في مفاوضات تمت بين حزب الله والتنظيم الارهابي أفضت الى انسحاب عناصر التنظيم الارهابي من جرود عرسال الحدودية بين لبنان وسوريا الى البوكمال على الحدود العراقية السورية.
الحدث لم يكن عاديا، بل اثار موجة غضب عراقية ضد خطوة السيد حسن نصرالله بعد المفاوضات المذكورة، لأنها فهمت على أنها طعن لخاصرة البلاد الغربية بمئات الارهابيين القادمين من جرود عرسال اللبنانية بباصات مكيفة نحو الحدود العراقية السورية وبأسلحتهم، في وقت كان العراقيون ينتظرون من الاخرين مكافأة بسبب قتالهم اشرس تنظيم ارهابي نيابة عن العالم.
تعزيز داعش لعناصره الموجودين في دير الزور هو تعزيز وامتداد لتواجدهم لقائم العراقية التي لازالت بيد التنظيم الارهابي، وبالتالي فان هذا قد يربك حساباتنا كعراقيين وقد يتم تغلغل هذه العناصر او عدد منهم الى الداخل العراقي للقيام بعمليات ارهابية تعكر صفو الهدوء النسبي في فترة عيد الأضحى، وهي مخاوف مشروعة عبر عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي في مؤتمره الصحفي الأخير، الأمر الذي دل على عدم علم الحكومة العراقية بالاتفاق المذكور والذي حاولت بعض وسائل الاعلام الترويج الى أنه تم بعلم الحكومتين العراقية والسورية.
الأمر الأكثر غرابة، أن السيد نصرالله كان يحذر إبان معركة تحرير الموصل من مخطط تكديس الارهابيين في مناطق شرق سوريا وتحديدا البوكمال ودير الزور، ومن خطورة فتح ممرات آمنة لهم عبر سوريا، باعتباره مشروعا أميركيا، لكنا نفاجأ بعد كل هذه التحذيرات من أن تطبيق هذا المشروع قد بدأ على يد المحذرين منه.
كنا نتمنى أن نستمع الى تبريرات منطقية من طرف حزب الله حول تلك الصفقة، إلا أن جميع تلك التبريرات التي سيقت لم ترق الى مستوى القبول والتسليم بها، فهل يعقل أن يكون ثمن أسير لبناني واحد وتأمين الحدود اللبنانية (كما بررها السيد نصرالله)، هو إشعال نظيرتها الحدود العراقية السورية، وإراقة المزيد من دماء العراقيين؟
لقد اعتدنا أن نستمع الى خطابات النصر على الارهاب في كلام سماحة السيد، إلا أنه هذه المرة خذل العراقيين، ولم يكن موفقا معهم إطلاقا، حتى أنه لم يكلف نفسه بث رسائل اطمئنان أو يوجه اليهم تبريرا مقبولا لديهم، وحتى البيان الذي أصدره تحت ضغط موجة الغضب الرسمية والشعبية العراقية، لم يأت بجديد مقنع، ولم يظهر الا مجاملات ومديحا لم بغير شيئا من واقع المسألة.
مؤيدو هذه الخطوة سعوا لتبريرها بأن الامر تكتيك أمني وسياسي جديد الغرض منه حصر هؤلاء الارهابيين والقضاء عليهم فيما بعد! إلا أن هذا الأمر ليس دقيقا، فالقضاء عليهم في جرود عرسال كان أقرب وأسهل، أما وضعهم في مدن صحراوية شاسعة يتمركز فيها أتباع وأنصار لهم سيصعّب جدا من مهمة القضاء عليهم هناك.
فهل هناك أمر لم نفهمه او ندركه بعد؟ ولو كان كذلك ألم يكن من حق الحومة العراقية ان تكون شريكة في عملية الاتفاق والصفقة التي جرت على حدودها؟
أخيرا علينا أن نلاحظ بقدر قرب المسافة والزمن بين تحرير تلعفر وعرسال، وتشابه الظروف، الا أن تضحية العراقيين في تلعفر والموصل كانت انهار من الدماء وارامل وايتاما وبنى تحتية، أما تحرير عرسال فلم يكلف سوى 17 “شهيدا” وعشرات الباصات المكيفة.