لم أستغرب وأنا أشاهد لقاء تلفزيونيا للسياسي المخضرم والخبير الأمني موفق الربيعي وهو يتحدث عن هبات وانجازات الحكومات المتعاقبة بعد 2003، للمواطن العراقي وخاصة ان هذا المواطن اصبح يمتلك ثلاثة تلفونات وتلفزيون في كل غرفة من منزله بفضل الطبقة السياسية، كوننا تعودنا على هكذا تصريحات من الربيعي بين فترة واُخرى وهو يتباهى ويفتخر بما وصل اليه العراق الْيَوْمَ، وكانه يعيش خارج هذا البلد المنكوب ولا يعلم بأحوال ابنائه وكيف يقضون يومهم.
وما زاد الطين بلة، ان الربيعي ضرب مثلا عن رفاهية العيش بمدينة الصدر، وكأنها أصبحت احدى الولايات الأميركية وتجاهل ان هذه المدينة تصحو يوميا على انفجار يذهب ضحيته العشرات من الأبرياء، وتعاني من سوء الخدمات وانعدام ابسط مقومات الحياة الطبيعة، عن اي إنجازات تتكلمون سيادتكم وأبناء بلدكم بين نازح ومهاجر وبين من ينتظر الموت بين لحظة واُخرى، رفاهية العيش التي تتحدث عنها سيادة الربيعي لا تعني الموبايلات والتلفزيونات الملونة فقط هناك ركن أساسي فيها قد تكون تعمدت تجاهله هو الأمان الذي ساهمت انت ومن جاء معك بضياعه.
تلك التصريحات جعلتني استحضر حادثة نقلها القاضي منير حداد كان بطلها الربيعي حيث يروي حداد انه (لحظة إعدام صدام حسين كان الربيعي احد الحاضرين في غرفة الإعدام وبدا يرتجف خوفا حينما شاهد صدام وكيف تغير لون وجهه وبدت عليه علامات الارتباك)، الْيَوْمَ السيد المستشار السابق وصاحب الخطط الأمنية الكبيرة يحاول بحديثه عن الإنجازات تلميع صورته ونسيان خوفه من مواجهة خصمه، فكيف ستواجه ملايين العراقيين وانت تتحدث وكأنك متفضل عليهم، وأن من الواجب عليهم تمجيدكم وذكر محاسنكم والابتعاد عن انتقادكم، سيادتكم نسيتم ان تذكروا ان مايمر به العراق الْيَوْمَ هو بسبب سياستكم وفسادكم والتمييز الذي تتعاملون به مع العراقيين والاهتمام بمصالحكم وكيف تتمسكون بمناصبكم حتى لو كان ثمنها دماء شعبكم، لكن قد يكون خوف الربيعي لحظة إعدام صدام مبررا، كونه تخيل أن جميع من حكم العراق منذ العهد الملكي وحتى الان علقوا على المشانق أو سحلتهم الناس في الشوارع فربما تخيل حينها ان تكون نهايته مشابهة.
الغريب في الأمر أن السياسيين يتعمدون بين فترة واُخرى إطلاق مثل تلك العنتريات الفارغة التي يسعون من خلالها التنصل عن مسؤولياتهم بدلا من الاعتراف باخطائهم، فالشعب لا يريد منكم دعايات انتخابية ووعودا فارغة، وتذكيره بين فترة واُخرى بإنجازاتكم الوهمية أنتم فقط مطالبون الْيَوْمَ بعدم خذلان دماء الضحايا والرقص على جراح اليتامى والأرامل، والتحكيم ضمائركم حينما تتحدثون عبر شاشات التلفزيون فالضمير يا سادتي لا يقبل القسمة ولا التأجيل.. لا يمكنكم أن تقسّطوا شرفكم على دفعات أو تأجيله الى حين ميسرة، فالشعب فهم اللعبة ولن يعيدكم لمناصبكم مرة اخرى.