صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

خريف البطريق

 

البطريق مخلوق غريب الأطوار, فهو ليس بطائر لأنه لا يملك أجنحة للطيران ولا يحوي جلده ريش ولا يربطه بعالم الطيور سوى المنقار؟ وهو ليس من اللبائن لأنه يبيض كالطيور رغم أن جسمه مكسو بالشعر؟ وليس بزاحف رغم مشيته وانزلاقه اللتين تشبهان مشية الزواحف وانزلاقها؟ يعيش في الثلج ولا يكسوه فراء, لا تعرف ذكره من أنثاه, كلاهما يرقد على بيضته الوحيدة, وكلاهما يذهب بعيدا ليبحث عن طعام, يقضي حياته بين قسوة البرد وخطورة المحيط, فإن سبح في النهر تلتهمه الحيتان والقروش, وإن خرج للمسطحات الثلجية تلتهمه الفقمات, أما إذا نجح في الوصول لليابسة فالدببة القطبية بانتظاره وإن تخطى كل هذا وذاك فالثعلب المحتال بالمرصاد؟

 

بطريقنا لا يقل غرابة عن البطريق القطبي, عقد اتفاقا مع الحوت, حمله الحوت على ظهره لبر الأمان رغم أن الحوت لا يؤمن له, لم يرض ذلك الحال الفقمة المنبطحة شرقا لكنها لم تجرؤ على مخالفة أمر الحوت, فإن سولت لها نفسها عملا منافيا لما يريده الحوت فسوف يبتلعها كما ابتلع غيرها من الفقمات التي تمردت عليه وإن سكتت فلا تستطيع رؤية البطريق وهو يتبختر أمامها ذهابا ومجيئا.

 

والثعلب المـتأهب شمالا يبحث عن فرصته لينقض عليه في أية لحظة حتى وإن أظهر حسن نواياه للحوت والدب في عدم التعرض له. أما أفاعي الغرب والجنوب السامة, فتارة تغريه بنعومة جلدها وتارة  تبث سمومها في طريقه وتارة أخرى تلدغ ما تلدغ وتختبئ كعادتها في كل مرة, ناهيك عن القروش الخبيثة التي تحوم حوله.

 

جاء الخريف وبطريقنا حائر ماذا يفعل؟  فالقرش الذي أصر على أن لا يعطيها له أو لغيره أذعن وأعطاها لكنه هذه المرة ربما لن يعطيها حتى وإن زاد البحر احمرارا لاسيما وأنه أحمر منذ عقد ونصف؟

 

البطريق يروح ويجئ حائرا, تارة يجلس على كرسي الحوت رافعا منقاره مستعرضا زغبه الناعم وتارة يقف أمام القروش ويهدد الحيتان, ينظر بطرف عينيه للفقمة المنبطحة كي يرضيها ويمسد على فرو الثعلب كي يهدئه لكنه وعلى ما يبدو لا يقوى على حل، لأنه يعلم أن خريفه القاسي على الأبواب والشتاء القادم سيكون زمهريرا؟

 

أما الأسماك بمختلف صنوفها فهي تسبح مع التيار وهي لا تقوى على مخالفة الحوت والقروش, تلازمهما وتسبح خلفهما, فالسباحة أمامهما أو بجانبهما تجعلها لقمة سائغة لهما, ثم أنها لا تسبح كما تشاء بل هي تتبع كبيرها الذي يقودها, فلكل فوج سابح لابد من قائد يسبح به نحو تيار يرى فيه سلامتها وإن كانت فيه نهايتها؟

 

البطريق أصبح بين فكي الفقمة ومخالب الثعلب ولدغ الأفاعي من جهة وبين أسنان القرش من جهة أخرى والأخطر من هذا وذاك هي الذئاب التي قتلت الكلاب, فالذئاب تتربص كي تجهز على البطريق وعلى أسماكه الصغيرة التي ما عادت تعرف في أي تيار تسبح وخلف أي قائد وإلى أي جحر تلتجئ؟

 

شعر بطريقنا بدنو النهاية فبدأ يقفز بين هؤلاء باحثا عمن سيحميه إذا أنقلب عليه الحوت وقذفه في الماء؟ فالحوت أحمق لا أمان له، يسبح متبخترا مختالا فرحا بما يصدره ذيله من صوت عند ضرب الماء؟ فهل يا ترى سيحميه الدب القطبي؟ أم ستحميه الفقمة المنبطحة التي تتربص به منذ سنوات؟ أما الثعلب فسيبقى ثعلبا لا أمان له؟ والأفاعي لن تتحول إلى حملان وديعة؟ وإن صعد أو نزل وإن قفز أو خفق فلن يطير ولن ينمو له جناح يساعده على الطيران.

 

فهل للبطريق ربيع جديد أم أن خريفه هذا سيكون الأخير؟

 

أقرأ أيضا