بل كلينون الرئيس الأمريكي السابق (١٩٩٣_ ٢٠٠١) ارتكب جريمة ضد الشعب العراقي عرفت بـ(عملية ثعلب الصحراء Operation Fox Desert) تغطية لفضائحه المتلاحقة التي لاحقته من قبل توليه الرئاسة ما عرف حينها بـ”إفلاس ضمان ماديسون” حيث اتهمه مجلس الشيوخ بالتزوير وإعاقة العدالة، حتى انتهى به الامر بفضيحة مونيكا لوينسكي المتدربة في البيت الأبيض.
وعملية ثعلب الصحراء ضربة جوية عسكرية قامت بها كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على العراق، بدأت في ١٦ ديسمبر ١٩٩٨ واستمرت لمدة أربعة حتى تاريخ ١٩ ديسمبر ١٩٩٨. وقد جرت العلمية بسبب ما وصفته الدولتان زوراً وافتراءً بعدم تعاون العراق مع مفتشي الوكالة الطاقة الذرية الباحثين عن أسلحة الدمار الشامل العراقية.
وقد تركز القصف على أهداف في بغداد ونتج عنه إلحاق ضرر كبير في البنى التحتية العراقية وسقوط عدد كبير من الضحايا العراقيين خلال هذه العلمية.
ترامب الذي يتشابه مع كلينتون أنه أيضاً بدأ فترته الرئاسية بتحقيق يلاحقه طال رؤوس كبيرة في أميركا مثل مايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق وجيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي حتى صهره جاريد كوشنر الذي اتهم يفتح قناة سرية مع روسيا والتحقيقات يجريها الكونجرس حول مزاعم تدخل روسيا بالانتخابات الرئاسية الأمريكية أو ما عرف بـ”Eliction Hacking” قرصنة الانتخابات، ومفادها حسب زعم أوباما أن الرئيس بوتين أوعز للروس بالدخول إلى ملف المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ونشر أخبار أدت إلى خسارتها أمام ترامب صديق بوتين. وعلى الرغم من نفي الروس تدخلهم الا أن هذا لم يمنع ان القضية لا تزال لها مفاعيلها وتدل على ارتباك وانقسام داخل الادارة الأمريكية، مصافاً إلى ذلك عدم خبرة ترامب السياسية، بل ضعفه الشديد في هذا المجال وقد وصفه مستشار أميركي كبير لسيمورهيرش أن كل شخص مقرّب من ترامب يعرف ميله إلى التصرّف بشكل عاجل عندما لا يعرف الحقائق، ويضيف “إنه لا يقرأ شيئاً ولا يملك معرفة تاريخية حقيقية، فهو يريد الإحاطات الشفوية والصور الفوتوغرافية. يمكنه أن يقبل عواقب قرار سيئ في عالم الأعمال، وأنه سيفقد المال، ولكن في منطقتنا ستضيع الأرواح، وسوف يكون هناك ضرر طويل الأمد لأمننا الوطني إذا كان يخمّن بطريقة خاطئة”.
وبحسب هيرش الذي فجر مفاجأة من العيار الثقيل قبل ايام، وهو الصحفي المخضرم الذي كان اول من تحدث عن السلاح الكيماوي السوري وما أسماه حينها بـ”الخط الأحمر وخط الجرزان”. يبين فيه كيف عمل أردوغان على توريط اوباما وجره للقيام بعمل عسكري لإسقاط الدولة السورية. عندما قام بمساعدة الجماعات المسلحة باستخدام غاز السارين في غوطة دمشق آب ٢٠١١. بعد أن هدد أوباما بتوجيه ضربة للدولة السورية إذا ماتجاوزت “الخط الاحمر” الذي كان قد حدده في سنة ٢٠١٢ بشأن استخدم الأسلحة الكيماوية. والتي انتهت بتوسط روسيا وتخلي سورية عن السلاح الكيماوي.
وفي مقال نشرته صحيفة “دي فيلت” الألمانية قبل ايام، يقول سيمورهيرش: ترامب تجاهل نصيحة الاستخبارات ووجّه بضرب سوريا بلا أدلّة!
ويكشف أن الاستخبارات الأميركية لم يكن لديها أي دليل على قيام الجيش السوري باستخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون في نيسان/ أبريل الماضي وأنّ ترامب أعطى قرار قصف مطار الشعيرات رغم معرفته بعدم وجود هجوم كيميائي حينها.
وأنّ المعلومات المتوفرة لدى الأميركيين حينها هي أنّ الجيش السوري استهدف موقعاً للمسلّحين في 4 نيسان/ أبريل 2017، وذلك باستخدام قنبلة موجهة من قبل الجيش الروسي مزوّدة بمتفجرات تقليدية، وقد تمّ تزويد التحالف الغربي بتفاصيل الهجوم من قبل الرّوس.
ولفت هيرش إلى أنّ بعض المسؤولين العسكريين الأميركيين كان يشعرون بالأسى الشديد من تصميم ترامب على تجاهل الأدلّة.
ويشير إلى أنه في غضون ساعات من الهجوم على خان شيخون، اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بصور الضحايا، صور مصدرها نشطاء محلّيون، على رأسهم منظمة “الخوذ البيضاء”، وهي مجموعة معروفة بصلتها بالمعارضة السورية المسلّحة.
وفي سلسلة من المقابلات التي أجراها يقول: علمت أنّ هناك اختلافاً كاملاً بين الرئيس ترامب والعديد من مستشاريه العسكريين ومسؤولي الاستخبارات، فضلاً عن ضباط ميدانيين في المنطقة لديهم فَهمٌ مختلف تماماً لطبيعة الهجوم السوري على خان شيخون.. وقُدّمت لي أدلّة على هذا الاختلاف، على شكل نصوص من الاتصالات بعد الهجوم مباشرة”
ويتساءل مستشار أميركي كبير “هل خطط السوريون للهجوم على خان شيخون؟ كلا إطلاقاً. هل لدينا اعتراضات لإثبات ذلك؟ إطلاقاً كلا. هل كانوا يخططون لاستخدام السارين؟ لا. لكن الرئيس لم يقل: لدينا مشكلة ودعونا ننظر في الأمر. بل قال إنه يريد الضربة في سوريا”.
بالعودة إلى الرؤساء الأمريكان أضعفهم نيكسون وفضيحة ووتر غيت التي كانت السبب في تقديم استقالته بعد محاكمته وإدانته. فضائح نيكسون وضعفه استغلها حينها كيسنجر الذي كان مستشار الامن القومي ثم اصبح وزيراً الخارجية في عهد الرئيس نيكسون استطاع كيسنجر ووفاء ليهوديته ان يشبك مصالح أمريكا مع الكيان الاسرائيلي بحيث يجعل كل عمل تقوم به أمريكا فيه مصلحة لاسرائيل.
وكان كيسنجر يوصي قادة الكيان بقوله لستم مضطرين للموافقة على كل ما تطلبه أمريكا منكم، الاخطر في الامر أنه استطاع أن يمنع العرب من قطف نتائج انتصارات حرب تشرين، الحرب وحدت كلمة العرب للمرة الأولى في تاريخهم الحديث ضد الكيان الصهيوني والوقوف صفاً واحداً خلف مصر وسوريا.
الشيء الأكيد أن مشروع الهيمنة الاميركية يعيش حالة تصادم بين السياسة والاقتصاد حيث الأزمة الاقتصادية العالمية التي تجتاح اوروبا وصولاً إلى امريكا التي تعاني من عدم قدرتها على دفع تكاليف مشروعها الاستعماري كما كانت سابقاً حين كان العالم أرض البنتاغون. والشيء الذي لا مراء فيه هو أن أمريكا اليوم أمام خيارين بالنسبة لروسبا إما أن تعترف بوجود الشريك الروسي وتتعامل معه لحل قضايا العالم وخصوصاً في إطار الحرب على سورية. أو أنها ستتجاهل نمو وتزايد قوة روسيا وحلفائها ويستمر الوضع على ما هو عليه. ملامح المرحلة القادمة ستتحدد بين هذين الخيارين لأمريكا.
العالم اليوم موازين القوى تتغير كما قواعد اللعب حتى الفرضيات والعقليات القائم عليها الفكر السياسي لم تعد صالحة. نظام عالمي جديد قيد التشكل معمد بدماء الشعب السوري حيث سورية المنتصرة الموحدة ترسم ملامح للنظام العالمي الجديد.
باحثة ومختصة بالشأن السوري