حدثني أيها الملك السعيد, بأن صاحبنا كان فاشلا في دراسته وفاسدا في أخلاقه, لم يكمل دراسته المتوسطة، ولم يحفظ شرفه من السقطة, سيق إلى الجيش، لكنه ظل رغيد العيش, خدم في هيئة التوجيه السياسي لينعم بطيب الوقت وحلو الاماسي, فهو ابن حزبي معروف خدمته كل الظروف, فلم يدخل محرقة الحرب لأنه ليس كمن هب ودب, و لم تطأ أرجله حتى الخطوط الخلفية، بل قضاها في الحانات والنوادي الليلية, تلك الحرب قضت على خيرة الشباب وعتاة الفكر وأصحاب الألباب, فاشل لا يحمل حتى الشهادة، لكنه كان يخيف ضباط القيادة, فهو يمثل الحزب والحزب لا تعلو عليه الرتب.
وفي الانتفاضة الشعبانية شد رأسه بالكوفية وكتب على سيارة الحزب “جمهورية إسلامية”, ولبس السواد ولف حول رقبته العتاد, وأطلق للحيته العنان، كأنه ملك من الجان, ليس غريبا أن تتغير الجلود وتنقض كل العهود, وليس غريبا أن تتبدل الاتجاهات حتى وإن كانت عكس المسارات, فالوقوف على التل أسلم والمضيرة عند معاوية أدسم.
وعندما سيطر الدكتاتور على الوضع، وقضى على الحيوان والزرع, هجم على الناس كالكلب المسعور ولم تسلم منه حتى الطيور, استخدم في القتل كل الفنون وزج الاخرين في غياهب السجون, غير صاحبنا جلد الحرباء ليكون للنظام من الاولياء, حلق اللحية وخلع الرداء ولبس الزي الزيتوني والبيرية الحمراء, وتوجه لأقرب نقطة للأمن الخاص طالبا منهم الخلاص, حمل معه صورة الوالد الوقورة مع القائد الضرورة, ليثبت ولاءه للنظام وأن الانتفاضة كانت فعلا حراما!!
أصبح بطلا في نظر القيادة، وساهم معهم في كل طرق الإبادة, كان يدخل ملثما للمعتقلات ليشخص كل من رآه يمشي في الطرقات وأعدم بيده العشرات, عاد بعدها إلى وحدته العسكرية حاملا كل عارات البربرية, وشاءت الصدف والظروف أن تخرجه القوات الأمريكية من بين الصفوف, لتخلع عنه البيرية الحمراء وتنقله الى معسكر رفحاء!!
في معسكر رفحاء تبدأ قصة جديدة لا تقل غرابة عن قصصه العتيدة, شهر واحد وجاءت بعثة أمريكية لتقابل من في المخيم، وتقرر منحهم حق اللجوء المعظم, كل حسب حالته وما سرد عليهم في قصته, ولكونه لا يحمل أي شهادة في العربية من حيث لا يميز حروفها عن الانكليزية, ادعى عند مقابلتهم له أنه يعاني من التهميش وبالله العياذ أنه كان مأبونا وشاذا, ولأن هذا الفعل منكر فهو مهدد بالقتل حتى في المعسكر, فوافقت البعثة على ترحيله إلى أمريكا أرض الميعاد راعية الشذوذ وقاهرة العباد, في الوقت الذي بقي فيه المثقف والمتعلم والعالم منسيا في العراق يرزح تحت حكم الظالم.
وبعد أيام معدودات وصل صاحبنا ارض الميعاد, فانخرط كعادته في طريق العهر والرذيلة بعيدا عن كل مواطن الفضيلة, قاضيا معظم أوقاته في الحانات متنقلا بين أحضان العاهرات, متعاطيا ومروجا للمخدرات وسائرا في طريق الممنوعات, وفي الوقت عينه متصدرا للمصلين في مجالس العزاء والدين, فهو يعرف من أين تؤكل الكتف ولا تفوته فرصة ولا صدف.
وحين سقط الصنم الهمام وفر قطيع الحمير والأغنام, عاد فوق دبابة أمريكية رافعا بيده كل شعاراته الدينية, ليعود مضطهدا حزين ويصبح دكتورا في حب الحسين, يتوضأ للصلاة من الإبريق وهو الكافر والفاسق والزنديق, ويتأمم الناس في الصلاة ويتحدث لهم عن مآثر الدعاة, وكمن جاء بعد فصول من الماضي الأسود لم يكن لهم فيها فعل أحمد , بيضت مواضيهم قوانين المنتفعين تحت قبة البرلمان ومواقع التقنين, حللت ما سرقوا من ممتلكات وأغدقت عليهم كل الامتيازات, وما قانون رفحاء الأخير إلا تمهيدا لسرقة الحِمْلِ والبعير.
فأدرك شهريار الصباح فسكت عن الكلام المباح, وأنهار من كثر النواح والبكاء على ما سمعه من قانون رفحاء, حتى أصيب بجلطة قلبية على ما حل في البلاد والرعية, وتوقف قلبه الصغير لأنه لم يتحمل من القصص الكثير, لكن الليالي بعد الألفية طوال وستشهد الكثير من سوء القصص والأفعال.