شاع في الآونة الأخيرة وخصوصا بعد حزمة الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة استخدام مصطلح (تكنوقراط)، هذا المصطلح ارتبط بالإصلاحات -التي لم يتحقق أدناها- ارتباطا وثيقا على أساس أن تدهور الوضع الذي يمر به العراق في كل مرافقه له علاقة بسوء إدارة الدولة بسبب عدم الكفاءة وأن سبب ما جرى ويجري في العراق هو المسؤول الحكومي الذي يدير دفة الحكم وأن المواطن لا علاقة له بما يجري وإنما هو الضحية والمسؤول هو أس المشكلة؟
رغم أن سوء إدارة الدولة بسبب المحاصصة الدخيلة على العملية السياسية في العراق بعد عقود من الدكتاتورية والتفرد في الحكم كان لها نصيب وافر في التدهور والانحطاط في كل مجالات الحياة لكنها لم تكن السبب الأول وكذلك لم يكن اختيار المسؤول الفاسد أو غير الكفء والمدعوم من الأحزاب والتيارات هو السبب الرئيس في ما جرى ويجري في العراق. فالمسؤول لا يعمل بمفرده أو بمعزل عن الآخرين فهناك سلسلة إدارية تبدأ بالموظف البسيط حتى وكلاء الوزارات وهم جميعهم من يحرك عجلة الإدارة في كل وزارة أو مؤسسة إضافة إلى عامة الشعب فهم طرف مهم في معادلة العمل الإداري والسياسي وسكوتهم بسبب جهلهم وتخلفهم هو الآفة التي نخرت المجتمع وهدمت هيكل البلد وحولته إلى ركام.
يلعب الوعي دورا مهما في تحديد مصير الشعوب و رسم مستقبلها الزاهر وهو القاسم المشترك الأول والأهم في تحقيق مطالب الشعوب وتمتعها بكل سبل الرفاهية من جهة وتحديد سلوك الحاكم وسلطته من جهة أخرى، فهناك علاقة رياضية طردية بين مستوى وعي الشعوب وبين تحقيق متطلباتها، فكلما ازداد الوعي تمكن الشعب من تحقيق كل ما يصبو إليه والعكس صحيح، وما الشعوب المتقدمة إلا خير دليل على ذلك.
إن الثورات والانتفاضات ضد الحاكم الدكتاتور لا يمكن أن تحقق كل شيء ما لم تدام بوعي جماهيري وثقافة مجتمعية تعمل على اختيار انسب السبل لتحقيق أهداف التغيير، ولو استمر الشعب بالتظاهر كل يوم لا كل جمعة فسوف لن يحقق مبتغاه ما لم يخرج من سلطة الآخرين ويتحرر من قيود أجندات التجهيل التي تقيده كسلاسل السجون.
مشكلة العراق الأولى لا تكمن في سوء إدارة المسوؤل أو فساده وإنما في ضعف الوعي وانتشار الجهل في المجتمع، وهو (الأيدز) الذي دمر مناعة الإنسان الفكرية والثقافية والسياسية وجعله مسلوب الإرادة وحوله إلى أداة طيّعة بأيدي المستفيدين من تجار الدين والمتلاعبين بالعواطف ومن يدير عجلة الفساد في البلد؟ ولو استعنا بكل (تكنوقراطات) العالم فلن نحقق التطور لهذا البلد ولن ننهض بشعبه ما لم تكن هناك ثورة وعي وثقافة وتنوير للعقول التي توقفت عن التفكير أو بالأحرى أريد لها أن تتوقف عن العمل لذلك فإن أنجع الوسائل لتطوير هذا البلد وإعادته الى ما كان عليه قبل أجندات التجهيل هو الاهتمام بمناهج التعليم و تهيئة الفرص التي تعمل على نشر الثقافة وفصل الدين عن الدولة ليكون للدولة هيبتها وللدين هيبته ويكون الشعب صاحب الإرادة المطلقة في تحديد اختياره لمن يمثله ومتى ما حصلنا على شعب (تكنوقراط) فأننا سوف نبحر بقاربنا نحو بر الأمان.