صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

صراع السلطة التاريخي بين العسكر والمدنية في العراق

 

لقد شكلت ثنائية الصراع على السلطة بين العسكري والمدني ظاهرة وسمت تاريخ التغيرات السياسية في العالم، بل ان الانتاجيات الراهنة في الكثير منها هي الوليد المشوه لهذا الصراع الايديولوجي والاجتماعي وبعضه القبلي والفردي على السلطة ولم يكن العراق بمنأى عن ذلك، إلا أن رؤية الصراع بدت في الدراسات التاريخية اقل حضورا منها في غيرها من الدول التي عاشت مراحل التغير كمصر وسوريا وتركيا وايران، فقد ظلت المشروعية الثورية في العراق استراتيجية انتقائية قرينة الرؤى العسكرتارية المحملة بنزعة التفرد التي مثل تجذرها التاريخي النزعة الحاكمية للعسكر بعد تأسيس الدولة العراقية والتي نجح البريطانيون في تثبيت الملك فيصل واعلانها كمملكة بذات الصورة الموجودة في بريطانية.

 

وليس أدل على ذلك ما جاء بنص القانون الاساس للدولة ودستورها الاول الذي اعتبر الملك مصان غير مسؤول، ما يعني ان رئاسة الوزراء هي الصورة التنفيذية للسلطة بعد تكليفها من قبل الملك واذا تجاوزنا مرحلة رئيس الوزراء الاول عبدالرحمن النقيب، فان تهافت العسكر على الرئاسة كان كبيرا فقد شكل عبد المحسن السعدون وياسين الهاشمي وجعفر العسكري ونوري السعيد علي جودت الايوبي طه الهاشمي جميل المدفعي الفترة الاكثر للعسكر في سدة الرئاسة قابله فترة زمنية للمدنيين ليست بطول الفترة والتأثير كتوفيق وناجي السويدي ورشيد عالي الكيلاني حكمت سليمان ناجي شوكت صالح جبر حمدي الباججي محمد الصدر عبدالهادي مرجان واذا كان هينتنغتون يرى في كتابه (العلاقات المدنية – العسكرية)، «إن للمجتمع العسكري ضرورات وظيفية للقيام بها في مجتمعات بلدان العالم الثالث خاصة.

 

وهي ضرورات لا تستطيع الإدارة المدنية القيام بها لعدم تأهلها الإداري والعلمي. وأن المؤسسة العسكرية أقدر من أية مؤسسة أخرى على القيام ببناء المجتمعات في دول العالم الثالث).

 

وهو راي له ما يدعمه فالاهتمام بالعسكر والمؤسسة العسكرية كان الاكثر حضوراً من الاهتمام بالزعامات المدنية لكن الامر لا يخلو من رؤية استخفافيه بالقيادات المدنية الطموحة والقادرة على ادارة الدولة، فضلا عن الحكومة الا ان الهيمنة العسكرية حالت دون ذلك، واذا كان هناك من حدث شكل علامة تاريخية فارقة لاغتصاب السلطة بالقوة العسكرية ومصداق لما نقول فان تجربة بكر صدقي هي التجربة الاكثر حضورا والتي اسست لمرحلة العنف المستخدم في تولي السلطة شاركه السياسي المدني حكمت سليمان لقد شكل ثنائي العسكر والمدني (بين القائد العسكري بكر صدقي ورجل الدولة المدني حكمت سليمان)، تجربة لم تحظ بالنظرة الموضوعية في دراسة اثار الصراع العسكري والمدني الذي وسم التاريخ السياسي العراقي، وبالتالي المجتمعي بالكثير من الالام والمعاناة، ولما تزل تنتج ثمارها المحرمة، ان رؤية العسكري القيادية والتغول على حساب الدولة المدنية عن طريق لجم عنان قياداتها المدنية واظهارها بمظهر القصور وسوء الادارة كانت استراتيجية واضحة استلهمتها الجغرافية السياسية العراقية من رياح التغيير الاقليمية وبخاصة تجربة اتاتورك التركية وبنسبة اقل تجربة بهلوي في ايران، ان الرمزية القيادية لدى العقلية السياسية الحاكمة هي رصيد الطموح الجامح باتجاه الهيمنة الخارجة من القدرة على ادارة الضبط العسكري نحو السيطرة على المقدرات المدنية وبالتالي الاستبداد والدكتاتورية اي الضبط العسكرتاري للمجتمع، والغريب في الامر ان هناك تواشج رؤيوي ينتج المنافس المدني الذي لا يمكن النظر اليه بالخضوع والصورة التي يتخفى خلفها الطموح العسكري بل هي لحظة حسم للصراع بين المدني الذي يحاول السيطرة من خلال التحكم العسكري وتجيير الضبط والهيمنة العسكرية لمصلحة رؤيته المدنية القريبة للرؤية العسكرية، فاحتدام الصراع اوجد على امتداد تأسيس الدولة منذ القيادة المدنية الحازمة للملك فيصل التي لم تنتج قيادة عسكرية رديفة تستعرض من خلالها رؤيتها الادارية الحاكمة والسبب في ذلك ، نعتقد وجود العامل الاجنبي الحاكم والداعم لحكم الملك والذي سنراه متذبذبا بعد ذلك، بالرغم من وجود قيادات عسكرية طموحه ضمن اطار التشكيل المشروع للإدارة المدنية بجلبابها العسكري الذي نراه واضح متخليا حتى عن بدلته العسكرية ليكون ضمن الطموح القيادي المدني حتى الانقلاب العسكري لبكر صدقي وتشكيل حكومة حكمت سليمان الطموح في فرض ارادته السياسية على خصومه من خلال العسكر الداعم في ظل السلطة الملكية المترددة والداعمة في احيان اخرى بعد ان رأت تغول القيادات العسكرية ورؤيتها في امتلاك زمام السلطة في الحكومة مثلت صورة واضحة لذلك.

 

هذا الانقلاب الذي شهد بعد ذلك انهيار المدني بمواجهة الامتداد الطامح والجموح في امتلاك السلطة بقبضة حديدية وهو الذي جر في النهاية الى اغتيال صدقي ونهاية الحياة السياسية لحكمت سليمان الذي صدر بحقه حكم الاعدام ولم ينفذ بصفقة ابعدته عن السياسة والعراق بعد ذلك، وهذه التجربة لم تظل يتيمة بل انتجت تجارب مؤلمة تملكها العسكر بمختلف الطرق المشروعة  قانونا او السيطرة العسكرية، والحديث عن انتاجية الجمهورية العراقية لم تخرج من تجذرات تاريخية القت بظلالها على مجريات الاحداث فالريادة المطلقة في ثنائيات العسكري السياسي والمدني السياسي والصراع باتجاه تسنم القرار الحكومي السلطوي لم يبارح الدولة العراقية وباستعراض بسيط للأسماء التي اعتلت منصب رئاسة الحكومة في العهد الملكي نرى الاغلبية الواضحة والمؤثرة للعسكري السياسي على حساب المدني او هناك نوع من المشروع السياسي بينهما كما حدث في تجربة رشيد عالي الكيلاني وضباط مايس عام 1941 والتي كانت اليد الاجنبية واضحه في احداثها بفعل مجريات الحرب العالمية الثانية وما رافقها من احداث حتى نهاية العهد الملكي على يد العسكر عام 1958 والذي شكلت قاعدته الشعبية هذه المرة الاحزاب السياسية وبخاصة الحزب الشيوعي العراقي الذي على ما يبدو ان ارباكه القيادي حال دون تسلمه للقيادة ولعل الفرصة التاريخية افلتت من وصول القيادة الحزبية الشيوعية في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم لأسباب احدها شخصية قاسم في مرحلتها الاولى والذي اعتبرها الشيوعيون متماهية تماما مع برنامجهم السياسي ان لم نقل اهدافهم الحزبية ويمكن تلمس ذلك من تشكيلة قاسم الحكومية وكتابة الدستور من قبل رجل القانون حسين جميل وبوقت قياسي جدا الا ان الملاحظ على مرحلة 1958 الجانب العسكري المتعطش للدماء المتمثل بمجزرة قصر الرحاب والتي نفذها العسكر الطموح في الاستحواذ الكلي للسلطة وقطع الطريق على التدخل الاجنبي بإعادة الاسرة الملكية هذا الجناح العسكري المتمثل بقيادة عبد السلام عارف والذي سنراه يلتهم الجناح العسكري المعتدل المتمثل بالزعيم قاسم، فالصراع السياسي للأحزاب القومية والحزب الشيوعي وتدخلات الدول الاقليمية والدولية انهت القيادة العسكرية للزعيم في 8 شباط والجمهورية الاولى وكان للجانب المناطقي والثائري اثره الكبير في اغتيال عبد الكريم قاسم الامر الذي سنلمسه بعد ذلك  من انقلاب القيادات القومية على بعضها وان لم تتخل عن قياداتها العسكرية وظل المدني فيها خاضعا لرؤية السياسي العسكري حتى ظهور صدام حسين الذي كان نتاجا حتمياً لفوضى العنف العسكري والغياب الواعي للقيادة المدنية والمناخات التنظيمية المسمومة للأحزاب التي ايقنت بالعنف طريقا الى السلطة والتي ابعدت الوطن والمواطن عن مخيالها السياسي ليشكل أنا الحزب والفرد اساسا لها لينتهي الحاكم العسكري احمد حسن البكر بعد ان وطد النائب الخارج من منظمة التصفيات البعثية (حنين) ارضيته الحديدية في الاستبداد والدكتاتورية، وبالرغم من ذلك كانت هناك محاولات للعسكر في السيطرة ربما يؤشر تجربة محاولة عدنان خيرالله احدها (وان كان هناك لبس في صحتها)، وادل من ذلك محاولة محمد مظلوم الدليمي، ان صراع العسكري والمدني وان اختلفت الايديولوجيات والرؤى ومستوى الاختلاف في التشخيص تظل ظاهرة جديرة بالدراسة والتحليل للحكم على الاحداث التي حدثت وكان لها اثر واضح على صورة المجتمع وسلوكياته في العراق.

 

أقرأ أيضا