صحیفة متحررة من التحیز الحزبي
والطائفي ونفوذ مالکیها

توظيف الحضارة لتدوير النفايات

 

انتشر مقطع  لمساعد وزير الخارجية الأميركية ستوارت جونز في مؤتمر صحفي ظهر فيه الرجل متبلّداً كمن قد أكلت القطّة لسانه عندما سأله الصحفي:

 

كيف تقيّمون التزام السعودية بالديمقراطية؟

 

السؤال كان محرجا إلى درجة أنّ التمنطق والتشدّق لا ينفعان في مواجهته.

 

إنّ اندماج العلاقة الأمريكية (ممثلة الغرب الديمقراطي) مع أسرة ثيوقراطيّة تقوم دعوتها السلفية على القمع وتجريم ما سواها، يمثّل احراجا حقيقيّا للديمقراطيّة، ومفارقة حادّة ألجمت مساعد وزير الخارجية الأمريكي عن الجواب.

 

يبدو أنّ هذا الاندماج بين الغرب والوهابيّة ما هو إلّا اعادة انتاج للحلف القروسطي بين السلطة الزمنيّة والسلطة الكنسيّة اللتين تقاسمتا النفوذ والهيمنة واستعباد الشعوب الاوربية، ولكن هذا الحلف ليس على مستوى محلّي بل على مستوى عالمي.

 

وما يدعونا لهذا الكلام هو أنّ الديمقراطيّة أو الليبراليّة تأبى بوصفهما مفهومين فلسفيين واجتماعيين أن تدخل في تفاهمٍ مع الكاثوليكيّة الوهابيّة المنغلقة على فكرٍ ظلامي.

 

الديمقراطيّة الغربيّة أزاحت سلطة الحلف الكنسي- الملكي في صراع وجودي بينها، ولكنّها سوّقت للحلف القديم مشروعاً عالميّاً يبسط نفوذه ويحقق مكاسبه  بأقصى ما يستطيع، تمثّل فيه أمريكا سلطة الملك والسعودية سلطة الكنيسة، وهكذا تغادر محاكم التفتيش أسوار أوربا لتأخذ صفة العالمية، ومن هنا فليس صحيحاً أنّ عهد محاكم التفتيش قد ولّى.

 

طبعاً عودة محاكم التفتيش كانت بشعارات مختلفة فشعاراتها الفوقانيّة حقوق الانسان والسلام العالمي واحترام ارادة الشعوب، ولكن مرتكزاتها الجوّانبّة: إن لم تكن معي فأنت عدوي، والامة الضعيفة تدفع الأتاوة وتبايع، والبقاء من حقّ الأقوى.

 

محاكم التفتيش بصيغتها العولميّة المعدّلة لا تقيم وزناً لكلّ شعوب الأرض بما فيها الشعوب الاوربية، فالبشر كلّهم أدوات استعماليّة تكرّس للنفوذ والسلطة لأقليّة نبيلة هم أصحاب رؤوس الأموال والمسيطرون على الاقتصاد ورسم خارطة الحروب والفتن في العالم. وهذا ما تبدّى بوضوح في تفجير برجي التجارة العالمي في نيويورك ومقتل الاف الأمريكيين الذين لم تتورّع الحكومة الامريكية عن ذبحهم قرابين لتدشين مشروعها الجديد في الشرق الأوسط بعد التواطئ المفضوح بين الملك الأمريكي والكاهن السعودي على تنفيذ تلك الحادثة البشعة.

 

وليس مستبعَدا في سبيل تأجيج الصراع ضدّ الاسلام وتشويهه في أن تكون العمليات الارهابية التي حصلت في بلجيكا والمانيا ومانشستر وفرنسا وغيرها هي من تدبيرات الحلف الالتياطي لملك روما وكاهن السعودية، وربّما إذا وجد ملك روما الأمريكي منفعة في زيادة قتل الاوربيين والامريكيين فلن يتأخروا في صياغة سيناريوات جديدة  تحصد مزيدا منهم وتنشر الرعب بينهم. إنّ حصان طروادة ليس من الضروي أن يكون مصنوعا من الخشب، فالجماجم والأشلاء أكثر جدوى في تحقيق الغرض.

 

ومشكلة الشعوب الغربيّة أنّها مخدّرة وتتحاشى أن تنظر إلى الجانب الآخر من وجه أنظمتها الوحشية، فالترفيه والمتعة والاستقرار والأمان التي حصلت عليها الشعوب الاوربية بكفاحها الطويل تحوّل إلى طعمٍ لظمان سكوتهم، ما خلا بعض المتيقظين من الكتاب وأرباب الفكر الذين تنبّهوا لوحشية الأنظمة الغربية ولكن لا تمثّل صيحاتهم بفضحها إلّا كصيحةٍ في واد.

 

المشكلة اليوم ليست مشكلة العراق او مشكلة سوريا.. الخ، المشكلة اليوم مشكلة الكرة الأرضية، ومشكلة العالم الذي يتنمذج ليصبح مصنعاً عمّاله من العبيد من أجل خدمة أقليّة مجرمة ومتوحّشة، فعصر الاقطاع وبيع البشر أيضاً يعود ولكن بثوب جديد.

 

وهكذا يتم توظيف الاكتشافات العلميّة المذهلة وتفتّق العقول عن الفكر الخلّاق التي من شأنها خدمة البشرية، يتم توظيفها في تدوير نفايات العهود المظلمة والمتوحشّة.

أقرأ أيضا